الرد على من زعم أن الله نور كالأنوار المخلوقة
  واعلموا أن الله سبحانه وصف الآية التي هي نور مخبراً لعباده أن الله سبحانه لم يرد نفسه بقوله: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}[النور: ٣٥]، ولم يمثل بالقنديل نفسه ولا بالمصباح، تعالى عن ذلك، وأي فضل في القنديل ليس في النجم الذي هو الزهرة؟ فكيف يمثل نفسه بالقنديل ويترك ما هو أنور من القنديل وأحسن؟ بل أي فضل في القنديل ليس في در الجنان؟ كيف يمثل نفسه بالقنديل وهو يتعالى عن الزهرة ودر الجنان؟!
  بل كيف يضرب الله لنفسه أمثالاً مفضولة دون الفاضلة؟ تعالى عن المثيل(١) والأشباه وتقدس عن ذلك. لكن الله سبحانه نور السماوات والأرض بما أنار لهم عن نفسه بخلقه لهم، وبما له فيهم من التدبير الدال عليه، فاستضاء عباده به؛ إذ أضاء لهم نفسه بخلقه لهم، فلم يضل في مضلات الشبهة من استضاء بربه واستنار به، فبانت الأعلام الهادية لمن استنار بها عن ربها، فبان الله بها لمن استنار بها، وكان الله نوره إذا اهتدى به، وأحيا لنا القلوب بعد موتها بنوره إذ أنار لها فاهتدينا به إليه.
  ومعنى آخر من معاني النور، وهو مما لا يجوز على الله، وهو ما ذكرنا من معنى الشمس الساترة، وشعاعها المنبسط الذي ليس بساتر.
  ومعنى من معاني النور، وهي النيران الكثيفة، وهي في معاني قرص الشمس والقمر. ومعنى من معاني النور هو الإيمان؛ لأن الإيمان نور، وكذلك القرآن نور، وقد سمى الله القمر نوراً والشمس سراجاً والإيمان نوراً، وقال: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[الأحزاب ٤٣].
  فهذه المعاني من الأنوار التي ذكرنا مميزة للعقول إذا ما نظروا إليها بها فأجروا على الله منها ما يجوز عليه، وما جرى على العباد منها فعنه نزهو الله ولا نسبوه إليه.
  وأما تأويل: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ}[النور: ٣٥]، فقد يجوز أن يكون عنى بذلك القرآن في غياهب الوساوس نيراً مضيئاً، وبه يبطل كيد إبليس اللعين وتوهيمه
(١) في (أ): التمثيل.