[بيان من القدرية والمرجئة والتحذير منهما]
  فليتق اللهَ عبدٌ ولينظر لنفسه، وليحذر هذه الطائفة من القدرية والمجبرة، فإنهم كفار بالله، لا كفر أعظمُ من كفرهم، لما وصفنا من فريتهم على الله جل ثناؤه في كتابنا هذا؛ لأنهم شهدوا لجميع الكفار أن الله أدخلهم في الكفر شاءوا أو أبوا، فشهدوا للفساق وجميع العصاة أنهم إنما أُتُوا في ذلك كله من ربهم، ولذلك هم مجوس هذه الأمة.
[بيان من القدرية والمرجئة والتحذير منهما]
  وليحذر العبد أيضاً هذه الطائفة من المرجئة، فإن قولهم من شر قول وأخبثه، وقد روي عن رسول الله ÷ أنه قال: «صنفان من أمتي لعنوا على لسان سبعين نبياً: القدرية والمرجئة، قيل: مَن(١) القدرية والمرجئة يا رسول الله؟ فقال: أما القدرية فالذين يعملون المعاصي ويقولون: هي من الله وهو قدَّرها علينا، وأما المرجئة فهم الذين يقولون: الإيمان قولٌ بلا عمل».
  فهذان قولان فيهما ذهاب الإسلام كله، ووقوع كل معصية؛ وذلك أن القدرية زعمت أن الله جل ثناؤه أدخل العباد في المعاصي وحملهم عليها وقدرها عليهم وخلقها فيهم، فهم لا يمتنعون منها ولا يستطيعون تركها.
  وأما المرجئة فرخَّصوا في المعاصي، وأطمعوا أهلها في الجنة بلا رجوع ولا توبة، وشككوا الخلق في وعيد الله، وزعموا أن كل من ركب كبيرةً من معاصي الله فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله، بعد أن يكون مقراً بالتوحيد، وأن جميع أعمال المؤمنين(٢) من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك ليس من الإيمان ولا من دين الله، مع أشياء كثيرة تقبح من قولهم، فكان في قولهم ذلك انتهاك حرمات الله سبحانه، وتعدي حدوده، وقتل أوليائه، وخفر ذمته، واستخفاف بحقه، والفساد في أرضه، والعمل بالظلم في عباده وبلاده، فهذان
(١) في (أ): وما القدرية.
(٢) في (أ): المؤمن.