مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[ما يلزم العبد بعد إقراره بتوحيد الله وعدله]

صفحة 213 - الجزء 1

  متحفظاً، وبأمر ربه متيقظاً، فإن الله ø وصف المتقين من عباده المؤمنين فقال جل ثناؤه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ٢٠١}⁣[الأعراف]، ولم يقل فإذا هم مصرون، ثم أخبر تبارك وتعالى عن إخوان الشيطان فقال جل ثناؤه: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ ٢٠٢}.

  فالمؤمن أبداً متيقظ متحفظ، راجٍ خائف، يرجو الله لما هو عليه من الإحسان ولما يكون منه من ذلك رجاء لا قنوط فيه، ويخافه على الإساءة الموبقة إن فعلها خوفاً لا طمع فيه إلا بتوبة منها، فالخوف والرجاء لا يفارقانه، بذلك وصف الله جل ثناؤه المؤمنين من عباده، فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}⁣[الإسراء: ٥٧]. وهكذا صفة المؤمنين، وليس أحد يقدر أن يؤدي كل ما استحق الله جل ثناؤه من عباده من شكر نعمه⁣(⁣١) وإحسانه بالكمال والتمام حتى لا يُبْقِي مما يحق له جل ثناؤه عليه شيئاً إلا أداه، هيهات، فكيف وهو يقول تبارك وتعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}⁣[إبراهيم: ٣٤]. فكيف يؤدي شكر ما لا يحصى؟! ولم يفرض جل ثناؤه على خلقه ذلك، ولا سأل كل ما له عليهم مما يستحق لديهم؛ لعلمه بضعفهم، وأن في بعض⁣(⁣٢) ذلك استفراغ جهدهم وما تعجز عنه أنفسهم، وأنهم لا يقدرون على ذلك، ويقصرون عن بلوغ ذلك، فتبارك الله جل ثناؤه عن الاستقصاء عليهم، ولم يسألهم كل ما لَه عليهم، وغفر لهم صغير ذنوبهم كله إذا اجتنبوا كبيره؛ رحمةً بهم ونظراً لهم.

  فأما من رجا الرحمة وهو مقيم على الكبيرة فقد وضع الرجاء في غير موضعه، واغتر بربه، واستهزأ بنفسه، وخدعه وغرَّه من لا دين له، إلا أن يتوب فيُغفر له بالتوبة.


(١) في (أ): نعمته.

(٢) في (أ): وأن بعض.