مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[موالاة أولياء الله]

صفحة 215 - الجزء 1

  الرَّحِيمُ ٥٣}⁣[الزمر]، ففي هذه الآية إطماع لجميع المؤمنين والمشركين وغيرهم، وليست تلك الآية بأوضح في الغفران من هذه الآية، فيطمع للمشركين فيها.

  فإن قال: لا أطمع لهم فيها بآيةٍ أخرى قيل له: كذلك لا أطمع لأهل الكبائر كما لا تطمع للذين أشركوا في آية أخرى.

  فإن قال: لا أطمع للمشركين لإجماع المسلمين - بطل الاعتلال بالآية، وقيل له: إن الأمة لم تجمع إلا من قِبَل خبر الله، وكذلك أثبتنا نحن وعيد الله على الفاسقين من قِبَل خبر الله بقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ١٤}⁣[النساء]، ونحو ذلك من الآيات، وكل من مات على معاصي الله مصراً غير تائب إلى الله فهو من أهل وعيد الله وعقابه.

  ومعنى قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} أنه يغفر للمجتنبين الكبير الصغيرَ، وهو أيضاً دون الشرك وإن كان صغيراً، فوقع الاستثناء على ذلك الصغير؛ إذ أخرج الكبير من أن يكون مغفوراً بقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ١٨}⁣[غافر] وبغير ذلك من الوعيد، وبيَّن أنه يعد بالمغفرة الصغيرَ قولُه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ٣١}⁣[النساء]، وقد يغفر الكبير لمن تاب منه، فيكون قوله: {لِمَنْ يَشَاءُ}، أي: لمن تاب من الكبائر.

[موالاة أولياء الله]

  وعلى العبد أن يوالي أولياء الله حيث كانوا وأين كانوا، أحياءهم وأمواتهم، وذكورهم وإناثهم، ويكون أحبُّهم إليه وأكرمُهم عليه أفضلَهم عنده وأتقاهم لربه وأكثرهم طاعة له.

  والمؤمنون هم الذين وصفهم الله جل ثناؤه في كتابه، وبيَّن أحكامهم في سنة رسوله ÷، فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٢}⁣[الأنفال]، وقال جل