صفة العرش والكرسي وتفسيرهما
  أو طُول؟ بل وصف نفسه جل ثناؤه ووصفه رسله وأنبياؤه بالوحدانية والقدرة والجلال، لا بحسن في صورة ولا هيئة ولا حلية ولا جمال.
  والصورة يا بني فلا تكون أبداً إلا من صانع مُصوِّر، وما في الصورة من أثر التقدير والتدبير فلا يكون إلا من مُدبِّر مقدِّر، فسبحان البارئ المصور الذي ليس بِمَبْرُوٍّ ولا مصوَّر، والمقدِّر المدِّبر الذي ليس بمقدَّر ولا مدَّبر، وتعالى الله رب العالمين وأكرم الأكرمين عن أن يوصف بصور الآدميين أو بمشابهة شيء من المخلوقين، وكيف يكون الخالق في شيء كخلقه، والمخلوق في شيء ما كان كخالقه؟ فهذا يا بني ما لا يصح في الألباب على إله الآلهة ورب الأرباب.
  فهل تعرَّف الله قط تبارك وتعالى إلى أحد من خلقه بحلية من الحُلى، كلا لن يوجد ذلك من الله أبداً، ولن يعرف الله مَن عرفه إلا أحداً واحداً، غير ذي نَوَاحٍ وأطراف، ولا مختلف في الأوصاف، بل تدل أوصافه كلها على واحد أحد، غير معروف بصورة ولا حلية ولا عدد، ليس له ندٌّ يساويه، ولا ضدٌّ يناويه، يُستدَل عليه تبارك وتعالى وعلى جلاله بدلائل لا يحصيها غيره من صنعه وفعاله، فهل يعمى ويصم عما يُرى(١) إلا من لا يسمع بقلب ولا يَرى، فنحمد الله على ما مَنَّ به في ذلك من الهدى، وعلى ما بصَّر برحمته في ذلك من ضلال أهل الهلكة والردى.
  وبعدُ فافهم - نفعني الله ونفعك بما أسمعني من البيان وأسمعك - مسألتك عن تأويل ما ذكر الله من كرسيه وعرشه، فما تأويل ذلك عند من يؤمن بالله إلا كتأويل قبضته وبطشه، وما ذلك كله وفرع ذلك وأصله إلا ملكه واقتهاره، وسلطانه واقتداره، الذي لا شرك لأحد معه فيه، ولا ملك ولا سلطان لسواه عليه.
(١) في (أ): تَرَى.