مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

صفة العرش والكرسي وتفسيرهما

صفحة 265 - الجزء 1

  الذي لا يكون حرثاً عند من لا يعقل سواه، وقد عرفنا بمنِّ الله ما أراد بذلك وعنى.

  وكذلك الكرسي والعرش والحمل فقد علمنا أنه ليس يشبهه بما يفنى، وأن لله في ذلك كله الأسماء الحسنى، والمباينة للخلق من المشابهة له في كل معنى.

  ومن الأمثال أيضاً التي لا تخفى إلا على مَن جَهِلَ من الناس وجفا قولُه سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ}⁣[الحديد: ٢٥]، وإنما معنى الميزان: معنى القضاء⁣(⁣١) والفصل، وما حكم به بين عباده من العدل.

  ومثل ذلك ما يقول أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ٤٧}⁣[الأنبياء]، ولا يتوهم الموازين ذوات كُفف، ولا الوزن وزناً بالأيدي والأكف - إلا كل بائر عَمٍ جائر، وكل ما ذكر الله من ذلك فبيِّنٌ⁣(⁣٢) والحمد لله معروف، لا يعمى عنه ولا يعسف العلم فيه إلا عسوف⁣(⁣٣).

  ومن الأمثال التي لم تزل تمثلها العرب حديثاً وقديماً، لا يجهل ما تريد بها إلا مَن كان من معرفة لسانها عديماً - قولُ زهير بن أبي سُلْمى في الجاهلية الجهلاء:

  ما عضني الدهر إلا زادني كرما ... ..... (⁣٤)

  ولا يتوهم العض إلا لما كان فماً، وقالت الخنساء:

  تعرَّقني الدهر نهشاً وحزاً ... وأوجعني الدهرُ قرعاً وغمزاً


(١) في (أ، ب): للقضاء.

(٢) سقط من (أ): فبين.

(٣) العسوف: الظلوم. (صحاح).

(٤) تمام البيت: ولا استكنت له إن خان أو خدعا. والبيت لأبي جلدة اليشكري عن قصيدة يمدح بها مسمع بن مالك بن مسمع كما في الأغاني والتذكرة الحمدونية.