[أدلة أخرى على وجوب الإمامة]
  واصطنع جل ثناؤه من صنيعه عن أمرين ولشيئين:
  أحدهما: الاختيار(١) فيما أبتدأ، وحكمة ماضي إرادته فيما أنشأ.
  والأمر الثاني: فإحكام تدبير مُنشاه، وتبليغه غاية مداه، بإحداث ما لا يكون بلوغ المدى إلا به، وما يريد الحكيم من إبقاء المنشأ بأسبابه، من مواد الأغذية، وحوط المنشأ من كل مفنية، ثم يكون ذلك في لطف مدخله، وحوط فرعه من الفساد وأصله، على قدر حكمة تدبير المدبِّر، واقتدار قدرة العليم المقدِّر، فلا يمكن في حكمة التدبير ولا تدبير ذي العلم القدير أن يريد كون بقائه إلا مع خلقه لمقيم إبقائه، من مادة الغذاء، وتركيب آلة الاغتذاء، من الأفواه والأوعية، وبسط الأيدي المغتذية، لاستحالة بقاء المُبْقَى مع عدم ما به يبقى، واستنكار دوام دائم، أو توهم قوام قائم، جعلهما الله لا يدومان إلا بمديمهما، ولا يقومان طرفة عين إلا بمقيمهما، ثم يقطع المديمَ لهما عنهما، وهو مريد مع قطعه لدوامهما؛ لما في ذلك من الجهل الذي تعالى الله عنه، وخطأ التدبير الذي بَعُدَ سبحانه منه، كنحو ما خلق من حيوان الأشياء، الذي خلقه لا يبقى إلا بمادة الغذاء، وجعل غذاءه لا يكون إلا بالأرض(٢) والماء، وبما فطر سبحانه من حرارة النار والهواء، وبما جعل من فصول السنة الأربعة، وجعل السنة لا تكون إلا بشهورها المجتمعة، وجعل الشهور لا تتم إلا بأيامها ولياليها، وما قدرها الله عليه من تواليها، وجعل الأيام لا تتم إلا بساعات أزمانها، والأزمان لا تتم إلا بحركة الأفلاك ودورانها، ثم فصل تعالى الليل من النهار، وفرق برحمته بين الظُّلَم والأنوار؛ لتمام ما أراد من إبقاء المدبَّر، ولينتشر في النهار كل منتشَر في ابتغاء حاجاته، وليسكن في الليل من فتراته، ولم يجعل الليل والنهار سرمداً، ولم يُعَرِّ منهما من خلقه إلا مخلداً، فقال سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ
(١) في (نخ): الاختبار.
(٢) في نسخة: ببرد الأرض.