مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]

صفحة 376 - الجزء 1

  رضا، وفرض الهجرة أوكد الفروض فرضاً، فلا تثقل عليكم الهجرة، فإن من أيقن بالمرجع إلى الله والمعاد خف عليه ثقل كل رشدٍ ورشاد، ومن أيقن بقصر مدته وبقائه فكان مراقباً لأَجَلِه وانقضائه لم يغترر بدنياه، ولم يلهه شيء عما أنجاه، وكان أبغض الناس إليه مَن شَغَلَه عما ينجيه، أباً كان شاغلُه عن ذلك أو أخاً، ولم يعد شيئاً من دنياه سروراً ولا رخاءً، ولم يرغب فيما هو فيه من الحياة إلا لما يطلب من النجاة، وكانت الدنيا ونعيمها عنده بلاءً، وما يستخفه الجاهلون منها ثقلاً، وغروراً كلها وكذباً، ولهواً في نفسه ولعباً، كما قال الله سبحانه: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ٦٤}⁣[العنكبوت]، فحياة الدنيا عند من يعقل موت، ودركها وإن أُدرك فوتٌ، وهي كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله: «الدنيا سجن المؤمن وبلاؤه، وجنة الكافر ورخاؤه»، ليست بدار سرور لمن يعقل ولا أمن، ولكنها دار الفناء ودار الأذى، ودار البلايا ودار الحزن، لا يغتر بها إلا مغرور، ولا يأمنها إلا مثبور، ظالم لنفسه جهول.

  تم كتاب الهجرة، والحمد لله كما هو أهله ومستحقه، وصلى الله على رسوله الأمين، وأهل بيته الأكرمين، وسلم عليه وعليهم أجمعين