مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]

صفحة 378 - الجزء 1

  

  قيل: كان وافى مصر رجل من الملحدين، فكان يحضر مجالس فقهائها ومتكلميها فيسألهم عن مسائل الملحدين، وكان بعضهم يجيب عنها جوابا ركيكا، وبعضهم يزجره ويشتمه، فبلغ خبره القاسم بن إبراهيم #، وكان بمصر متخفيا في بعض البيوت، فبعث صاحب منزله ليحضره عنده، فأحضره، فلما دخل عليه قال له القاسم ¥: إنه بلغني أنك تعرضت لنا، وسألت أهل نحلتنا عن مسائلك، ترجو أن تصيد أغمارهم بحبائلك، حين رأيت ضعف علمائهم عن القيام بحجج الله والذب عن دينه، ونطقت على لسان شيطان رجيم لعنه الله: {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ١١٨}⁣[النساء].

  فقال الملحد: أما إذا عبت أولئك وعيرتهم بالجهل فإني سائلك وممتحنك، فإن أجبت عنهم فأنت زعيمهم، وإلا فأنت إذاً مثلهم.

  فقال القاسم #: سل عما بدا لك، وأحسن الاستماع، وعليك بالنصفة، وإياك والظلم ومكابرة العيان ودفع الضرورات والمعقولات، أجبك عنه، وبالله أستعين، وعليه أتوكل، وهو حسبي ونعم الوكيل.

  فقال الملحد عند ذلك: حدثني ما الدلالة على إنية⁣(⁣١) الصانع؟

  قال القاسم #: الدلالة على ذلك قوله في كتابه ø: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ


(١) الإنية: إنية الشيء، وهو ثبوت كونه ووجوده. (محيط).