مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[أقوال ابن المقفع والرد عليها]

صفحة 454 - الجزء 1

  ولكن ذلك كما قال الله لا شريك له، وما بينه في كتابه⁣(⁣١) ونزله: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ٤٩ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ٥٠}⁣[الشورى].

  ويقال إن شاء الله لهم: مَن الناطقُ؟ الظلمة؟ فالمنطق خلاف الخرس، وهو خير زعمتم، أم النورُ والظلمةُ جميعاً؟ فقد استويا في النطق، والاستواء تشابهٌ كما علمتم، أم الناطق النور؟ فالمنطق خير وشرور، والشر إذاً فهو في نوركم، ويلكم ما أبين في هذا شناعة أموركم، وأشد مجونكم، وأعظم جنونكم، وأظهر السفه به وبغيره فيكم، وأغلب الدناءة فيه عليكم.

  وزعموا أنهما حساسان، فهما لا محالة في الحس مشتبهان، ومشبه الشر لا يكون إلا شراً مؤذياً أليماً، ومشبه النور لا يكون عندهم إلا نوراً كريماً، وفي مشابهة النور بالحس للظلمة نفي ألا تكون خيراً، وفي مشابهة الشر للنور بالحس نفي أن لا يكون شراً، فكل منهما⁣(⁣٢) خيرٌ وشر، وشرٌ وخير، وهو من القول فأحول ما يكون من المحال، وأخبث ما قيل به في الإحالة من الأقوال.

  ومن قولهم: أن الأشياء لا تتغير عن جواهرها، وقد يرون أنها تتغير عن صورها، فصورة النور مؤنسة مضية، وصورة الظلمة موحشة ظلمية، فإذا ما هما امتزجا عُويِنَ مزاجهما بصورة في المزاج أخرى ليست بما كان يرى، لا مؤنساً مضياً، ولا موحشاً ظُلْمِياً، فمن أين كانت هذه الصورة الثالثة إلا أن الأمور حادثة؟ ولكن القوم يلعبون بنفوسهم، ويقولون بخلاف ما يجدون من محسوسهم، وليس ببدع⁣(⁣٣) ممن جَسَر على قول الزور والبهتان أن يجحد بلسانه ما


(١) في (أ): من كتابه.

(٢) في (أ): فكل خير منهما.

(٣) في (أ): ببديع.