مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[القول بالولادة والمشابهة يستلزم إبطال الإلهية]

صفحة 470 - الجزء 1

  والحدود، فجعلوا الإله البديع كالمبدوع، والرب الصانع للأشياء كالمصنوع، وكلهم يزعم أن الله صانع غير مصنوع، ومبتدع لجميع البدائع غير مبدوع.

  وإذا⁣(⁣١) صح أن السماوات والأرض وما فيهن لله، وأن قيام ذلك ووجوده وصنعه بالله، وما قضى من أمر فإنما قضاؤه له بأن يبتدع صنعه وفعله لا بنصب ولا علاج، ولا أداة ولا معاناة ولا احتياج، ولكنه يَتِمُّ كونُه وصنعُه إذا هو أراده وشاءه.

  وإذا قيل: أمر الله في خلقه وقضى فإنما هو من الله بمعنى أراد وشاء، وما ذكر من قنوت الأشياء لله فإنما هو قيامها ووجودها بالله، وتأويل قوله: {لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ٢٦}⁣[الروم] إنما هو كل به ومن أجله كائنون، وسواء في هذا الباب وفيما ذكر منه في الكتاب قلت: له وبه ومن أجله⁣(⁣٢)، وكما يقال: فعلت ذلك بك ولك، وكذلك يقال: فعلت بك ومن أجلك.

  ولما أن صح بأحق الحقائق وأوجد ما يكون من الوثائق أن السماوات والأرض ومن فيهن لا تكون أبدا إلا من واحد صح أن ذلك لا يكون أبداً من مولود ولا والد، فكان القول - مع صحة هذا ونحوه وأمثاله - بما قالوا به في الولد من أخبث القول وأحول محاله، وأي تناقض في مقال يقال أقبح أو محال بتناقض فاحش أوضح من قولهم: اتخذ الله ولدا؟ فجعلوا الولد مُتَّخَذاً مولوداً، وهم يقولون مع قولهم لذلك: إن الولد لم يزل قديما موجوداً، لم يفقد قط ولم يزل، ولم يتغير حاله ولم يتبدل، فمن أين يكون مع هذا القول منهما ولد ووالد وأمرهما جميعا في القدم والأزلية واحد؟ وكيف يكون متخذاً خِدْناً⁣(⁣٣) من لم يزل


(١) أين جواب الشرط؟ جواب الشرط مقدر، أي: بطل أن يكون له ولد؛ للمنافاة بين الملك والولد. (من خط السيد العلامة المجتهد محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله).

(٢) لعلها: له أو به أو من أجله.

(٣) الخدن: الصديق في السر، والجمع أخدان، مثل حمل وأحمال. (مصباح).