[ذكر جميع أصول النصارى]
[ذكر جميع أصول النصارى]
  وهذا كتاب ما حددت النصارى من قولها، قد استقصينا فيه جميع أصولها، فليفهم ذلك إن شاء الله منها من أراد فهمه من الأمم عنها.
  زعمت النصارى كلها أن الله سبحانه ثلاثة أشخاص مفترقة، وأن تلك الأشخاص الثلاثة كلها طبيعة واحدة متفقة، وقالوا: تلك الثلاثة في درك يقين النفس: أب وابن وروح قدس.
  قالوا: فالأب غير مولود، والابن فابن وولد مولود، وروح القدس فلا والد ولا مولود، وكل واحد من الثلاثة بما قلنا فموجود.
  وقالوا: إن هذه الأشخاص الثلاثة لم تزل جميعاً معاً، لم يسبق بعضها في الوجود بعضاً، وإن ما ذكروا من الأب والروح والولد لم يزالوا كلهم في لاهوت(١) وملك واحد، ليس بين الثلاثة كلها تفاوت في إلهية(٢) ولا في قدم ولا قدرة ولا ملك ولا مشيَّة، وإن الثلاثة كلها واحد في الطبيعة والذات، وإن هذا الواحد في الطبيعة ثلاثة في الأشخاص المفترقات، [قالوا](٣): وذلك كالشمس فيما يدرك منها بالحس، التي هي شمس واحدة في كمالها وذاتها، وثلاثة متغايرة في حالها وصفاتها، كل واحد منها غير الآخر في شخصه وصفته، وإن كان هو هو في ذاته وطبيعته.
  فمن ذلك زعموا أن الشمس في عينها كالأب، وضوؤها فيها كالابن، وحرها منها كالروح، ثم هي بعدُ وإن كانت لها هذه العدة فشمس - لا يشك فيها أحد - واحدة، لأن الشمس إن فارقها ضوؤها لم تدع شمساً، وكذلك إن فارقها حرها لم تدع أيضاً شمساً، وإنما تسمى الشمس شمساً وتدعى إذا كان
(١) في (ب): اللاهوت.
(٢) في (ب): الإلهية.
(٣) زيادة من (أ).