السند إلى مؤلفات الإمام القاسم بن إبراهيم #
  صحيحاً من أن يكون مدركاً بصحة لخلافها، بيقين من دركه لها مبتوت، كدرك الحياة وخلافها من الموت، ودرك الصحة وخلافها من السقم، ودرك الشباب وخلافه من الهرم، وغير ذلك من اختلاف الأشياء كلها، وما يوجد لها من الاختلاف في فرعها وأصلها، وإذا كان ذلك كذلك، وصح ما ذكرنا في النفوس من ذلك، كان واجبا وجوب اضطرار، وثابتاً من النفوس في أثبت قرار دركه سبحانه ووجوده عند دركها ووجودها؛ إذ هو خلاف سبحانه لكل ما يوجد من موجودها.
  فإن قال قائل: فلم لا تجعل خلاف الأشياء كلها العدم؟ فقد يحيط بخلافه للأشياء كلها الوهم؟
  قلنا: إن العدم ليس بمعنى موجود، وليس مما له إِنِّيَّة(١) ولا حدود، وإنما مطلبنا فيما قلنا للخلاف بين ما قد عقلنا من ذوات الإنية الموجودة الثابتة بالحس، أو الشهادة الباتّة من درك النفس، أو ما يدرك خلافاً لهما جميعا، فيوجد أثر تدبيره بينا فيهما معا.
  فأما ما ليس بذي أيس، ولا يدرك درك محسوس، ولا يعرف بفرع ولا سوس(٢)، ولا يُبِيْنُ عن نفسه بأثر من تدبير، ولا يُسْتَدل على وجوده بدليل منير - فليس فيه لنا مطلب، ولا لنا إليه بحمد الله مذهب، وإنما قولنا في العدم: إنه خلاف في الوهم، لا في حقيقة للعدم موجودة، ولا عين منه قائمة ولا محدودة، وإنما يطلب خلاف الأشياء كلها في حقائق الأعيان بما يدرك في العقل والعلم من الاختلاف ببت الإيقان، وكذلك وجدنا الاختلاف الصحيح اليقين يكون بين ما يحس أو يعقل من الأشياء التي لها كون، فأما العدم الذي هو ليس والذي لم يتوهم له قط أيس فليس في بعده من أن يقال: مختلف بحقيقة أو مؤتلف وهم،
(١) الإنية: إنية الشيء، وهو ثبوت كونه ووجوده. (محيط).
(٢) السُّوس بالضم: الطبيعة والأصل. (قاموس).