جواب مسألة لرجلين من أهل طبرستان
  وقد سأل عن هذا بعينه وما قلنا به من تبيينه نصراني كان يغشاني من قبط أهل مصر يقال له: سلمون، وكان ربما اجتمع عندي هو والمتكلمون، وكان هو يزعم في عيسى خلاف ما تزعم النسطورية واليعقوبية والروم؛ لأن أولاء كلهم يزعمون أن عيسى # ابن وإله، ومنهم من يقول: إنه الله، وفي ذلك ما يقول سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}[المائدة: ١٧].
  وكان هذا النصراني الذي ذكرنا يقول: إن عيسى # عبد مربوب، وصنع مخلوق، وإنَّ مَن لم يقل من النصارى بقوله وينسب عيسى صلى الله عليه إلى الخلق والعبودية فليس بنصراني، وهو مشرك خارج من النصرانية.
  فسأل يوماً وهو عندي جماعةً من الموحِّدين، وفيهم حفص الفرد البصري، وكان من المتكلمين، فقال: يا هؤلاء، أخبروني - فقد زعمتم أنكم تنصفون، وأنكم لا تقولون إلا بما تعرفون - من أين زعمتم أن من أنكر محمداً وجحده، ولم يقر بما كان من النبوءة عنده، منكرٌ لله جاحد؟ والله فغير محمد، الله معبود ومحمد عابد؟ وإنكارُ واحدٍ ليس بإنكار اثنين؛ لأن الشيء الواحد ليس بشيئين، فقد سألت منكم كثيراً عن هذه المسألة فأجابوني فيها بجوابات مختلفة غير مقنعة، وكيف أكون لك منكراً بإنكاري لغيرك؟ وهل تراه يصح في فكرك أن أكون بإنكاري لمحمدٍ لله منكراً، وأنا بالله مقر، وله مُوحِّد مُجِلّ معظِّم مكبِّر؟
  فأجابوه فلم يقنع بجوابهم، ولم يسمع لمقالهم.
  وكان مما أجبته به في مسألته، وما كان فيها من مقالته، أن قلت: أخبرني يا هذا إذ أنكرت محمداً وما جاء به من رسالاته، أليس قد زعمت أن ما كان معه من آيات الله ودلالاته، وما كان يُرِي الناس من الأعاجيب وينبئهم به من السر والغيب، ليس كله من الله، ولا شيء منه بصنع لله، وأضفت ذلك كله إلى غير الله؟
  فقال: بلى، لا شك ولا امتراء.
  فقلت: أفلا ترى أنك لو أنكرت أن تكون السماء والأرض من الله، ولله خلقا