مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[العلم بقدر القرآن وقصده]

صفحة 54 - الجزء 2

  ملابسته لها ودخوله فيها ما قصدها وغرضها، وما دعا أهلها إليها، كما قد رأيتم وأيقنتم من حال البنَّاء الذي قد علم قبل دخوله فيما يريد أن غرض البناء رفع السقوف والحيطان، وعقد العقود والطيقان.

  وكذلك النجار فيما يريد بعمله من النجارة، فقد علم قبل دخوله فيها أن غرضها عمل الكراسي والأبواب والأسرة⁣(⁣١)، وكذلك مثلهما في علم غرض ما يريد غيرهما من التجارة والبياع، فهم في علم غرض التجارة والبيع وما يريدون فيه كالصُّنّاع، قد علم كل تاجر من بر أو فاجر ما غرض بيعه وتجارته علم الصانع بصناعته، وعلى قدر علم كل صانع وتاجر منهم أو بائع يجدُّ ويجتهد، ويسعى ويحتفد، فيقل فتوره، ويجلُّ سروره.

  فلا يكونن أحد منهم فيما يزول عنه⁣(⁣٢) ويفنى أجد منكم فيما يدوم لكم أبداً ويبقى، ولا يدخله خسارة ولا نقصان، ولا وضيعة ولا خيبة أبداً ولا حرمان، فإن تُقَصِّروا في ذلك تكونوا أخسر فيما تعدونه من التجارة والصناعة خسراناً منهم، بقدر ما فرق الله في ذلك بينكم وبينهم، فأعوذ بالله لي ولكم من الخسران المبين، فإنه عند الله هو الخسران في الدين، وذلك فهو الخسران والضلال البعيد، الذي لا يخسره - بمنِّ الله وإحسانه - رشيد.

  فمنه يا بَنِيَّ أرشدكم الله فتحرَّزُوا، وعنه بالله ما بقيتم فتعززوا، فإنه هو العز⁣(⁣٣) الأعز، والحرز الحصين الأحرز، الذي لا يكون أبداً معه ضياع، ولا


(١) «والأسرة» ساقط من (د).

(٢) في (أ): عنهم.

(٣) في (أ): العزيز.