تفسير سورة القدر
  من القرآن إليك، وذلك فهو الله الرحمن الرحيم، وما فرض: فهو كتابه المنزل الحكيم، وأي القولين اللذين ذكرنا وبينا في ذلك وفسرنا قيل به فتأويل، وأمر كبير جليل، كريمٌ ذكرُه، واجبٌ شكرُه.
  وليلة القدر التي نزل فيها القرآن فليلة من الليالي مباركة، تتنزل فيها(١) كما قال الله تبارك وتعالى الروح والملائكة؛ لبركتها وقدرها، وما عظم الله من أمرها، {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ٤} من أمور الله بنازلة، وبركة لأهل الأرض كلهم شاملة، فليلة ذلك الوقت والخير والقدر خير، كما قال الله سبحانه: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ٣}؛ لما جعل الله جلَّ ثناؤُهُ فيها من اليُمن والبركات، وما يمسك الله فيها عمن أجرم من النقم والهلكات، ولما نسب الله إليها من الخير تنزلت الملائكة والروح فيها من أعلى العلا إلى الأرض السفلى.
  يقول الله سبحانه: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}، تأويل ذلك بإذن الله فيها لهم، وقد قال غيرنا في تأويل {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}: إنه من كل وجهة، وما قلنا به - والله أعلم - في نزولهم من أمر الله ورحمته بكل نازلة أشبه وأوجه، فهم ينزلون فيها من أمر الله وتقديره وما جعل الله فيها من بركاته وخيره إحداناً وزمراً وإرسالاً، ببركتها وإعظاماً لها وإجلالاً، وإذ جعلها الله سبحانه لتنزيله ووحيه وقتاً ومقداراً، وذكرها بما ذكرها به من القدر تشريفاً لها وإكباراً، وليلة القدر جعلها الله من ليالي رمضان، ألا ترى كيف يقول سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: ١٨٥]، ويقول
(١) في المطبوع والمصابيح: تتنزل الملائكة فيها.