تفسير سورة الشمس
  الفلك في ذلك كله هو المسلك والمدار؛ لأن الليل لو سبق نهاره لسبقت الظُّلم أنواره، فبطل العدد والزمان وتقديرهما، وفسد البشر والحيوان وتدبيرهما، ولكان في ذلك أيضاً فساد الأشجار والثمار؛ لأن قوام ذلك كله ونشأته بما فصل من الليل(١) والنهار.
  فسبحان مفصل الأمور والأشياء لبقاء ما أراد بقاءه من النبات والأحياء، وليعلم العالمون عدد السنين والحساب، الذي عنه وبه يكون كل جيئة وذهاب، أو بقاء لشيء من الأشياء جعله يبقى أو يفنى مما فطره سبحانه خلقاً، كما قال جلَّ ثناؤه، وتقدست بكل بركة أسماؤه: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ١٢}[الإسراء].
  وتأويل {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ٣} فهو: والنهار إذا أضحاها، فبانت وظهرت وتجلَّت بتجلِّيه، وبما يظهر من الضوء والنور فيه.
  وتأويل {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ٤} فهو إذا غشي الليل الشمس وأتاها، فوارى بظلمته نورها، وأخفى بظهوره ظهورها، ولم تُرَ الشمسُ، ولم تنتشر الإنس(٢)، ويسكن في الليل الإنسُ والوحشُ وكلُّ طير، فهدأ من ذلك كله فيه كل صغير أو كبير؛ رحمةً من الله به لذلك كله، ومنَّةً من الله مَنَّ عليهم بفضله، كما قال سبحانه: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ
(١) في المطبوع والمصابيح: بين الليل.
(٢) في المطبوع والمصابيح: الأنفس.