مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

سياسة النفس

صفحة 185 - الجزء 2

  للنفس، وأدعا لما في طبائع الأنفس من الظمأ والصيام، ومن التهجد والقيام، ولن يملك امرؤ ضبط نفسه وفكرته ويقوى على ما يفوز به في آخرته حتى يقوى على ترك شهوته، ويؤثر محبة الله على محبته، وكما لا تضبط صعاب الخيل إلا بثقيل اللجم فكذلك لا يقوى على النفس إلا بمنعها من كثير من شهواتها في المشرب والمطعم.

  وإذا صمتم فليكن مع صيامكم من المطعم والمشرب صيام عن التكبر والعجب، فإنهما ينتجان الفتنة ويوقدان نار الغضب، واجعلوا أفكاركم وصفاء أذهانكم في الله ومحل أوليائه، وفي التماس منازل أحبائه⁣(⁣١)، ولا ينال ذلك إلا بكلفة متكلفة، يتقدمها متقدم معرفة.

  واعلموا أنه لن يعرفها أحد حق معرفتها إلا خف عليه ما يستثقله الجاهلون من كلفتها، فلا تطلبوا التقوى طلب الجاهل بطلبته، المفتر بسوء التقدير⁣(⁣٢) عن نيل بغيته، جهلاً بما بينه وبينها، وما جعل له من العلاج دونها، فيقل عليها صبركم، ويعسر عليكم فيها أمركم. ولكن اعرفوا منها ما قصدتم له، وسلكتم إلى الله ø فيها سبيله، فإن غلبت عليكم الغفلة فيها، أو فترتم بخطيئة عن النهوض إليها، فهيجوا قلوبكم عليها وادعوا أنفسكم إليها بأصوات الأحزان والبكاء، إما بأنفسكم وإما بغيركم من القراء، فإن القرآن نور وعبرة لمن اعتبر، والبكاء والأحزان تذكرة لمن تذكر.


(١) في (أ، ب): وفي الناس من منازل أحبائه.

(٢) في (أ): التدبير.