سياسة النفس
  جلا عنكم بإذن الله ما في قلوبكم من العمى، وإن عين القلب لا تبصر إلا في الضياء وبعد الجلى، وجلاء القلب صمته عما لا يعنيه، ونظره فيما له من الله وعليه، والمرآة ذات الصدى لا تري إلا بعد أن تجلى، وكذلك فلن يصل أحد إلى أن يخلص لله وارتضائه، والسرور بما أعد في دار البقاء لأوليائه، والعجب بما أراه الله من عظمته - إلا بعد الجلاء للقلب من درن خطيئته، ولا يقتصر أحد في سلوك هذه السبيل على ترك الطعام وإدمان قراءة القرآن دون أن يخلط ذلك بالنظر إلى ما عند الله بقلبه، ويتفهم فيما يقرأ كل أمر الله به، فإنه لا غنم لمن جعل ما هو فيه من صيامه ليس إلا تركه لما ترك له من طعامه، ولا من جعل قراءته بالتلاوة شغلاً، ومن فهمه لما فيه عن الله بدلاً.
  واصحبوا الراسخين في العلم، فإن فيهم عصمة لمعصتم، واقتفوا وفقكم الله صالح آثارهم، وانفوا الوحشة عنكم بصبتهم واختيارهم.
  ومن سلك هذه السبيل المكرمة الخالصة فعارضه فيها من الوساوس المغوية ما يوعر عليه سبيلاً، أو يدخل قلبه من فترة دخيلاً - فليذكر أنه في مسلك سبيل أولياء الله الذين اصطفى، وأنهم باحتمال ما هم فيه من المؤنة استحقوا عند الله(١) المنزلة والزلفى، وبها وصلوا إلى ثواب الله الأكرم، ومحل أوليائه الأعظم.
  ثم ليقس نفسه فيه وفيما يرجو من جزاء الله عليه بمن يغوص في لج البحر لابتغاء الدر، ويوغل في حفر المعادن لابتغاء الذهب، ويسير له في آفاق الأرض بجهد الطلب، وينصب نفسه لمقاساة الملك الزائل، ويقاتل عليه وفيه كل بطل
(١) في (أ): من الله.