سياسة النفس
  منازل، ومن يطلب ما لا يفنى ولا يزول، ولا يغيره مغير من البلاء فيحول، من الملك الباقي السرمدي، والنيل الدائم الأبدي، أيهما أولى بالصبر على التعب، والاجتهاد بصدق الطلب؟ فقد يعلم أنه لا أحد أخسر في صفقته ولا أفحش في الحمق من حمقته ممن اعتاض زائلاً بمقيم، وبؤساً إن كان عاجلاً بنعيم، فأشعروا أنفسكم هذا وذكره يسهل عليكم ما وعرت الوساوس أمره.
  وإن عرض لكم سوء تفكير فشنع عليكم حالاً من حال الخير، فشغل بوسواسه ضمائر قلوبكم - فميزوا بين ذلك وبين ما عرض بصحيح عقولكم، ولا ترضوا من أنفسكم فيه بغير صحيح أموركم، فإن أخون الناس لنفسه، وأجهلهم بيومه وأمسه - من رضي بتشبيه العلانية، وأنكر صدق السريرة الباطنة.
  واعلموا أنكم إن رضيتم أو خضعتم في ذلك وأغضيتم فتنكم فيه عدوكم، وسبى بغروره فيه عقولكم، فاعتصموا بالله من سيئاته، واستدفعوه لا شريك له لبلياته، فإنه ø غاية الاعتصام، واقصدوا قصد ما برزتم له بالتمام، فإن كل من نكل عن بغيته بعد أن أنصب نفسه في طلبته أسوأ في ذلك حالاً ممن لم ينصب فيها اشتغالاً.
  واذكروا ما وعدتم من النعيم الدائم المقيم، وما أوجبه الله لمن لم يجب دعاءه من العذاب الهائل الأليم، سلوا(١) الله فيما اعتصمتم به نفي غمكم، واكتفوا بمعونة الله فيه يقل همكم.
(١) في المطبوع: ثم اسألوا.