مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

سياسة النفس

صفحة 189 - الجزء 2

  ومن عثر في هذه السبيل بعد سلوكه لها فلا يقطع من الله رجاه، ولا ييأس مما أعد الله لكل من أخطأ خطاه، من رحمته التي وهب منها أفضل الموهبة، وجعلها للخاطئين عند الخطيئة في قبول التوبة، فإن الله تبارك وتعالى لم يقم للتائبين منهاجاً، ولم يجعل لكل نفس تائبة إليه به من العقوبة إخراجاً، إلا لما أحب من بسط العفو والمغفرة، وتعريف مكان حلمه بالعفو بعد المقدرة، فإن أنتم زللتم عن طاعته، فلا تزولوا عن طلب عفوه ومغفرته، فإنه يبلغكم سعيكم في طلب عفوه منازل الساعين في طلب ثوابه، وكما أن الله تفضل من ثوابه بأكثر من عمل العاملين فكذلك تفضل بالعفو على من أناب إليه من الخاطئين، وكما أن طالب الضالة محب لوجودها وأدائها، والطيب محب لإبراء المرضى إذا عالجها من أدوائها، فكذلك الله تبارك وتعالى يحب توبة من دعاه إلى الإنابة من المذنبين؛ ولذلك مدح الله سبحانه إنابة من أناب إليه من المنيبين.

  واعلموا أنه من سقط في البحر، وألقى بيده⁣(⁣١) في لجج الغمر، ولم يتحرك في طلب الحياة - لم يطمع له يقيناً بتاً بنجاة. ومن وطن نفسه على الهلكة يئس من أن يدركه الله بنجاته المدركة، ومن يئس من الأسباب المنجية لم يتب من قبيح سيئة، ومن يحسن ظنه بربه لا يعدم حسن الجزاء في ظنه به، ومن يسوء ظنه بالله وفيه فلا يعرف إحسانه إليه لا يستوجب منه ثواباً، ولا يأمن له إن غفل عقاباً،


(١) في (أ): فألقى بيديه.