سياسة النفس
  وثواب الله على حسن ظن من عبده به عوض من جزائه له على حسن عمله.
  فالحذر الحذر، فإن المنفعة في الحذر عظيمة، والاستعانة بمعرفتها حصن وغنيمة، فاستعينوا بالحذر والتيقظ عن الغفلة وما ليس بمأمون أن يعارضكم من الملالة.
  واعلموا أن الأنفس تؤثر حب الخفض والراحات، وكل ما كان لها فيه من عاجل سرور وفرحات، بغلبة غالبة لها عليها، وصغوِّ مصغٍ شديد إليها، فإن أهملتم أنفسكم أغارت غارة السبع في شهواتها، وملكتها الغفلة فخالفتكم في أكثر حالاتها، وإن انتبهتم وحذرتم قويتم على بلوغ ما طلبتم، وإن ونيتم وقصرتم وعميتم عما بصرتم غلبت عليكم غوالب الحيرة والهوى، وأسلمكم الله إلى ما آثرتم عليه من غير التقوى، ألم تسمعوا لقول الله تعالى فيمن غلب عليه العمى وجانب سبيل الهدى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ٢٣}[الجاثية]، فلما اتبعوا أهواءهم أعماهم، ولما آثروا أمر تقواهم هداهم، ألم تسمعوا قول الله تبارك وتعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ١٦ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ١٧}[محمد].
  فليكن حذر الهوى من شأنكم الأكبر، والهرب عنه بالجد من حظكم الأوفر، فإنه بلغني أن بعض الصالحين كان يقول: النار تلحق ذا الخطو البطيء، وحديقة