سياسة النفس
  العاجز لا تعرى من الشوك والحلافي(١)، فكذلك قلوب أهل التقوى إن غلب عليها الوناء والعجز والغفلة غلب عليها الخطأ والفساد وهي عنه ذاهلة.
  فلا تتكلوا على ما سلف من أعمالكم فتضيعوا فيما تستأنفون من بقية آجالكم، واجعلوا على فكركم من عقولكم رقيباً كيلا تجول بكم فيما جعله الله ذنباً، وكذلك فاجعلوا على ألسنتكم لكيلا تنطق بما يسخطه، وعلى أسماعكم وأبصاركم لكي تفرغ لما يحبه، وزنوا فيما بينكم وبين الله جميع أموركم، وارفضوا الفضول فيها من فعلكم وقولكم، واقتصروا على بغيتكم تستريحوا، وتَفَرَّغُوا لها تنجحوا به وتفلحوا.
  واعلموا أن الزراع الحكيم لا يثق في نفسه بسلامة ما بذر من زرعه فيه حتى يستودعه الخزائن فتؤيه، فلا تثقوا بعملكم قبل الورود عليه.
  واعلموا أن ما يعرض من الآفات، ويدخل به على أهله من الغفلات في طلب الآخرة أكثر منها في طلب الدنيا، وذلك لفتن الشيطان بحب المدح والرياء، واستشعار الكبر والخيلاء، وغير ذلك من معاريض مكره وكيده، وما يقاسى فيه من الإخلاص وشدائده، فإن لم تحترسوا منها وتحتجبوا بالله عنها عارضكم فيها الهلكة والتلف، ثم لم يكن في أيديكم إلا الحسرة والأسف.
  فعليكم بقراءة الكتب الدالة على حكم الله وعجائب قدرته، ولا تقرأوا ما
(١) الحلافي جمع حلفاء، وهو نبت أطرافه محددة كأطراف سعف النخل.