العالم والوافد
  وقطوف دانية، وأنهار جارية، وملك لا تحد سعته، ونعيم لا تحصى صفته. ومن كان من أهل النار فحمل ثقيل، ومقام طويل، وبكاء وعويل، وخشوع ضعيف، وقلب حفيف، في دار جهد وبلية، وغم ورزية، وضيق لا يتسع، وعذاب لا ينقطع، حيث السلاسل والأغلال، والقيود والأكبال والضرب والنكال، والصياح والأعوال، وأكل الزقوم، وشراب الحميم، ولفحات السموم، وظهور المكتوم، ولباس القطران، وزفرات النيران، والخزي والهوان، داخلها محسور، وواردها مضرور، وساكنها مدحور، وصاحبها مقهور، واللابث فيها مهجور.
  قال العالم: كيف يصنع من وعد بهذين الدارين؟
  قال الوافد: ينبغي لمن وعد بهذين الدارين أن ينظر إليهما ويتصور ما وعد الله فيهما لأهلهما، ثم ينظر إلى الجنة وقصورها، وما وصف الله فيها من النعيم المقيم، والفواكه والأزواج من الحور الحسان، والأكاليل والتيجان، والأنهار الجارية، والأثمار الدانية، والسرر المصفوفة، والزرابي المبثوثة، وأسبابها ولباسها، وفراشها وحجراتها، وطعامها وشرابها، ونعيمها ودوام ذلك فيها، فيخاف أن لا يكون من أهلها، فهنالك تتتابع زفراته، وتكثر حسراته، وتفيض عبراته، ويطيع ربه ويعصي هواه، ويترك دنياه، ويطلب آخرته ويعلم يقيناً أن إلى الله مصيره.
  قال: فلما انتهى الكلام منهما إلى هذا الحد، وعلم العالم أنه ذو فطنة ونباهة ونبالة، ونظر وتمييز، ورغبة في طلب العلم سأله لينظر معرفته.
  قال العالم: من أين؟
  قال الوافد: من فوق الأرض ومن تحت السماء.