مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الدلائل على أن الله تعالى لا يشبه الأشياء]

صفحة 82 - الجزء 1

  المسألة صرفوا إلى ما استحقوا من الجحيم واستوجبوا من العذاب الأليم.

  فاستقبل حشو [هذه]⁣(⁣١) العامة ما بين الله من هذا كله بجحده، وجاهروا الله وأولياءه علانية برده، فكلما دعاهم المهتدون ليهتدوا استكبروا عن الهدى وصدوا، وكلما ذكروهم بالله ليذكروا أعرضوا عن تذكيرهم بالله وفروا، فكلهم مصر مستكبر، مول عن الهدى مدبر، كأنهم في ذلك بفعلهم وما أصروا عليه من جهلهم قوم نوح إذ يقول فيهم، صلى الله عليه لا عليهم: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ٥ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ٦ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ٧}⁣[نوح]، فكلهم عدو للصادقين على الله مكذب، وفؤاد كل امرئ منهم عن الإيمان بالحق منقلب، وذلك إذ لم يؤمنوا به أول مرة، وكانوا به إذ سمعوه عند الله من الكفرة، ألم تسمع إلى قوله سبحانه: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ١١٠ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ١١١}⁣[الأنعام]، فقوله سبحانه {يَشَاء} إنما هو خبر عن قدرته عليهم، وقوة سلطانه تبارك وتعالى فيهم، ولو أنه شاء لمنعهم من المعصية فكانوا⁣(⁣٢) به مؤمنين، إذ كان الإيمان عندنا إنما هو أمان من عصيان العاصين، ومن منعه الله من المعصية جبرا فمأمون عصيانه، وإذن كان الإحسانُ في ذلك المنع إحسانَ الله لا إحسانه، وكان فيما منع منه من المعصية غير مطيع لله، ولا مستوجب لثواب من الله؛ إذ منع من المعصية بجبر، وحمل على الإيمان منه⁣(⁣٣) بقسر.


(١) ساقط من (أ).

(٢) في (أ): وكانوا.

(٣) في (أ): منها. وفي نسخة: بها.