[وله أيضا # موعظة أخرى]
  أما بعد، فإنه ليس لحي في الدنيا مقام، وعما قليل يأتيك الحمام، وكل خلق تفنيه الأيام، فلا تكن كالغافل النوام، فإنما الدنيا إلى انصرام، ولن يرى لها دوام.
  أما بعد، فاتقوا الله عباد الله فيما تقدم به إليكم واحتج به عليكم، من قبل اللهف والندم، ومن قبل الأخذ بالكظم، وانقطاع المدة، واستكمال العدة، ومن قبل التلاقي واللزام، والأخذ بالنواصي والأقدام، فكأن قد نزلت بكم نازلة الفناء، وأخرجتكم إلى دار البقاء، وكشف عنكم الغطاء، وتجرعتم سكرات الموت، وخضتم غمرات الآخرة، وأتاكم ما كنتم توعدون، وعاينتم ما كنتم تحذرون.
  أما بعد، فإنه لا عذر لمن هلك بعد المعرفة والبيان، ولا حجة لمن ركن إلى دار الفناء والحدثان، ولا ندم يغني عند وقوع(١) العيان، ولا حيلة تنفع عند فوت الزمان، وعند السياق وكلول اللسان؛ إذ لا ولد ينفع، ولا أهل يمنع، في مصرع هائل، وشغل شاغل، يُدْعَى فلا يسمع، وينادى فلا يجيب، في غصص الموت وسكراته، وتجرع زفراته وغمومه وحسراته، قد علاك الأنين، وأتاك الأمر اليقين، فلا عذر فتعتذر، ولا ردة(٢) فتزدجر، قد عاينت نفسك حقائق الأمور، وحللت في مساكن أهل القبور، في لحد(٣) محدور، قد افترشت اللبن بعد لين الوطاء، وسكنت بين الموتى بعد مساكنة الأحياء، فالنجاء النجاء قبل حضور الفناء.
(١) في (أ): وقع.
(٢) في (أ): رادة.
(٣) في (أ): ملحد.