مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[وله أيضا # موعظة أخرى]

صفحة 292 - الجزء 2

  أما بعد، فإن الدنيا أيام قلائل، وكل ما فيها ذاهب زائل، فتعز بالصبر عن الشهوات، وتناء بالحذر عن اللذات، وفكر فيما اقترفت على نفسك من الذنوب، وفيما قد ستر الله عليك من العيوب، أما علمت حين عصيته أن لم يكن بينك وبينه ستر يواريك منه.

  أما استحييت من مولاك وقد علمت أنه يراك؟ أما خفت العقوبة حين آثرت على تقواه هواك؟!

  أما بعد، فيا بؤساً لك من مخالف خاسر، ومن خائن⁣(⁣١) غادر أما إنك عن قليل، تهجم على البلاء الطويل، فتدارك نفسك إذ عرضتها للمهالك، واسلك بها طريق الواضح من المسالك، ولا تطمعها في راحتها أيام حياتها، واستطرف لها النصب، واحملها على التعب، لما ترجوا أن تصير إليه من الراحة غدا، فكأنك قد دعيت فأجبت، فاعمل لنفسك ما دمت في مهلة، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.

  أما بعد، فاحذر على نفسك ختر الدنيا ومكرها، وخدعها وغدرها، فإنها متبرجة لطلابها، فاحذرها ولا تكن لها قتيلا، والتمس لنفسك للنجاة منها سبيلا، وانظر لنفسك أيام مكثك فيها، واعلم أنها مرحلة سكانها، وأن متاعها قليل، وخطبها جليل، ونعيمها زائل، وخيرها مائل.

  أما بعد، فكن في سفرك مرتاداً، وهيئ عدة وزادا، فكأنك قد أخرجت من


(١) في (نخ): جائر.