مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

القول في الماء القليل

صفحة 326 - الجزء 2

  ألا ترى أن الماء في الطهارة أنقى وأرضى وأوجب وإن وجدا جميعا فرضا، لقول الله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}⁣[المائدة: ٦]، فلما وجد الماء لبعضها كان الوضوء به عليه فيه واجبا. ألا ترى أنه لو لم يجد إلى ما فرض الله عليه من الصلاة كلها سبيلا لما كان ذلك لما يطيق أن يصليه منها واضعا ولا مزيلا.

  ومن سأل عمن معه بلغة ماء من المسافرين والمرضى، وهو لا يأمن إن تطهر بها أن يهلك إن هو فعل تلفا وعطبا؟

  قيل له: لا يحل له أن يتوضأ به إذا كان أمره فيه كذلك، لأن الله سبحانه حرم عليه أن يوصل إلى نفسه هلكة متلفة ما كانت من المهالك، ووعد عليه النار إن هو فعله عدوانا وظلما، فحكم به عليه لنفسه حكما حتما، فقال سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ٢٩ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ٣٠}⁣[النساء]، وعليه أن يتيمم كما قال الله سبحانه: {صَعِيدًا طَيِّبًا} فيمسح منه بوجهه ويديه. وكذلك من خاف على نفسه دون الماء سلطانا أو لصوصا أو سبعا أو كرارا كان التيمم واجبا عليه، وكان حراما في ذلك كله من ابتلي به أن يعرض نفسه في شيء منها تلفا، أو يجشمها في تعريضه والطلب له هلكة أو حتفا.

  ومن وجد مع غيره شيئاً من الماء فطلب شراءه فلم يعطه إلا بغلاء وهو لثمنه واجد كان عليه أن يشتريه؛ لأنه واجد له بما وجد من الثمن، واجبة فريضة الله عليه فيه، كقول الله سبحانه: {فلم تجدوا ماء}، ومن حضرته الأشياء فوجد لها وإن غلت ما يشتريها به من الأثمان فهو لها واجد غير شك فيما يعرف من معلوم