مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

القول في الماء القليل

صفحة 327 - الجزء 2

  اللسان، إلا أن يكون ذلك يحل بماله إجحافا، أو له في بذل ما معه من طعام أو مثله إتلافا، فلا يكون له الإتلاف والإجحاف بنفسه في ذلك؛ لأنه يعود في تلك لو فعلها بنفسه إلى ما نهي لها عنه من القتل والمهالك، وإلى ما لم يرده الله تبارك وتعالى له من الحرج والعسر، وإلى خلاف ما أراد الله سبحانه بعباده من التخفيف واليسير، قال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، وقال في آية الوضوء نفسها: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}⁣[المائدة: ٦].

  وقال سبحانه فيما فرض على الأموال من النفقات، وما حدد من ذلك تحديدا من أحكامه المفصلات: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ}⁣[البقرة: ٢١٩]، والعفو من الأموال كلها فهو ما لم يكن فيه الإجحاف بها، وليس قول من قال: لا يشتريه إذا غلا قولا يجد له من أنصف أصلا؛ ألا ترى أنه إن زال عنه شراؤه لغلائه لم يكن يجب عليه وإن رخص شيء من شرائه، وهم يُوْجِبُونَ عليه إذا رخص شراءَه ويرونه بذلك واجدا للماء، وهذا فهو الأصل فيما أوجبنا عليه من شرائه في الغلاء.

  ولما حددنا من قولنا في الطهارة فروع كثيرة متفرعة، وهي كلها وإن كثرت - والله محمود - فيما بينا من أصولها مجتمعة.

  ومن ذلك إن سأل سائل عن عدد الوضوء فيما يجب عليه من غسل كل عضو وبينا فيه، وليس لشيء من ذلك عدد يحصى بأكثر من أن يغسل ويوضأ فينقا، وتحديد ذلك جهالة وعمى، إذ كان باسم الغسل مسمى، لأن الله سبحانه قال: