القول في الماء القليل
  ما يجب عليه من ائتماره. غير مقصر فيما [أمر] به من العمل ولا مفرط، ولا مستوجب في تقديم ولا تأخير فيما أمر به لسخط، بل هو مؤتمر بما أمر وألزم، محافظ فيما أمر به على ما قيل وأعلم. فهذا عندنا وجه التأويل، وما فهمنا عن الكتاب في التنزيل، لا ما يقول به - والحمد لله - من لم يفهم فيه ما فهمنا عن الله من الاختلاف الكثيرة فانتبه، القليلة - والله المستعان بنوره وتبيينه - من أن رب العالمين فرض مثل الصلاة الخمس على المؤمنين، أن يصلوا الليل كله، إلا - زعموا - أقله؛ فمنهم من زعم أنه إنما فرض عليهم ثلثه، ومنهم من قال: نصفه، ومنهم من قال: ثلثيه؛ جهلاً بحق الله، ومخالفة للعلم وادعاء عليه.
  و {ناشئة الليل} فهي: الليل كله، وهي آخر الليل وأوله، فكان هذا على ما قلنا أيضا دليلا لقول الله سبحانه: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ٦}[المزمل]، ودل أن صلاة الليل قراءة مجهور بها، يقول: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ٤}، والترتيل، فهو: الجهر والتنفيل، فأما هذّ القرآن فيها ونثره فإنا لا نأمر به ولا نستحسنه، لما ذكرنا من قول الله سبحانه. وقول رسوله ÷: «لا تنثروا القرآن نثر الدقل(١)»، فنحن لا نأمره بذلك في فريضة ولا تنفل.
  والدليل على ما أمر به رسول الله ÷ من أن هذه الصلوات في الليل فرض لا نافلة، وأنها فريضة من الله واجبة لازمة - قوله سبحانه: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ
(١) الدقل: هو رديء التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص، فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثوراً. (نهاية).