مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[معنى المجيء والإتيان في حق الله تعالى]

صفحة 268 - الجزء 1

  ولم يرد ببيتهم بيتاً من مدر ولا شعر، ولا بِأُسه أُسًّا من صخر ولا حجر. وقال ابن ميادة:

  لنا قبة في المجد خضراء ضخمة ... تبذ القباب ذات موج وساحل

  لنا راية فوق السماء كأنها ... ربيبة وكرٍ رُوِّقت فوق حامل

  وليس يتوهم ما ذكر من القبة قبَّة ذوات عوارض مشبكة، ولا أنها قبة مصبوغة بخضرة ولا ملككة، فيا ويل من شبه الله - جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسماؤه - في ذاته ومعرفته، أو في شيء من صفته من كرسي أو عرش أو أّخْذٍ أو بطش بخلقه المفتطر المجعول، من محمول أو غير محمول، وجل الله سبحانه عن أن يقع عليه بذلك قول، أو تعتقد مشابهته في شيء من ذلك كله العقول. وقد قال أيضاً ابن ميادة:

  هم الهامة العلياء والذروة التي ... تقصر عنها سطوة المتطاول

  وقد علم أن هذا مثل لا يجهله إلا كل عَمِيٍّ جاهل.

[معنى المجيء والإتيان في حق الله تعالى]

  وسألت أبي | عن تأويل {وَجَاءَ رَبُّكَ}⁣[الفجر: ٢٢]، و {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}⁣[البقرة: ٢١٠]، و {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ}⁣[الأعراف: ١٥٨]؟

  فقال: تأويل ذلك كله مجيء آيات الله وحكمه، وإتيان أمر الله من رحمته أو نقمته.

  ومثل ذلك في المجيء قوله: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ}⁣[الأعراف: ٥٢]، وفي الإتيان قوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ}⁣[النحل: ٢٦]، ولا يُتَوهم مجيء الله وإتيانه - وتعالى شأنه - مجيئاً من مكان إلى مكان، ولا إتيان رؤية ولا عيان، ومن قال ذلك أو ظنه فثبته في نفسه خرج بذلك صاغراً من توحيد ربه، والحمد لله رب العالمين كثيراً، وصلى الله على محمد وأهله وسلم تسليماً.