الإستبصار في مختصر كتاب الإنتصار،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

باب استقبال القبلة

صفحة 109 - الجزء 1

  ابتداء الجزء الثالث

باب استقبال القبلة

  كانت القبلة أول الإسلام بيت المقدس فاستقبله ÷ قبل الهجرة، وكان يحب استقبال الكعبة، لأنها قبلة آبائه إبراهيم وإسماعيل، وبيت المقدس قبلة اليهود، وكان ÷ من شدة حبه يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فلما هاجر تعذر الجمع؛ لأن مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة، وصلى إلى بيت في المدينة ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، فعيرته اليهود، وقالوا: هو على ديننا، فسأل الله أن يحول قبلته إلى الكعبة، ونزل جبريل #، وأخبره الرسول ÷ بمحبوبه فعرج والرسول ÷ يتبعه نظره، ويقلب طرفه نحو السماء، ينتظر نزول جبريل، فنزل ÷ بقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}⁣[البقرة: ١٤٤]، وقوله تعالى: {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}⁣[البقرة: ١٤٤]، أي: نحوه قال الشاعر:

  ألا من مبلغ عمر اً رسولاً ... وما تغني الرسالة شطر عمرو

  أي نحو عمرو، وشطر الشيء بعضه، كشطر الدار، ومنه قوله ÷: «الوضوء شطر الإيمان». والمسجد الحرام هنا الكعبة، قال الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}⁣[المائدة: ٩٧]. ولا خلاف بين الأئمة والفقهاء أن نية التوجه غير واجبة، إلاع فأوجبها مرة.

  والحجة: أن النية إنما تكون مؤثرة في وقوع الأفعال على وجه؛ لأن القدرة يحتاج إليها في وقوع الفعل ووجوده، والعلم في أحكام الفعل وانتظامه، والنية في وقوع الأفعال على وجه دون وجه.

  ويجوز لجماعة في خوف الكعبة متدابرين مستقبلين للجدارات، ولو انهدمت الكعبة - والعياذ بالله - فعن بعض ص ش: لا تصح الصلاة وسط العرصة، والمختار: جوازه؛ لأن بين يديه أرض الكعبة فهو مستقبل لها.