(فصل): في بيان ما يجب به الصوم في رمضان والإفطار، وكيفية الصوم، وشرائطه، وما يتبع ذلك من الأحكام
  فمن كان مكلفاً مسلماً وجب عليه (الصوم) في شهر رمضان (والإفطار) في أول يوم من شهر شوال، والمراد ترك نية الصوم لا أنه يلزمه تناول شيء من المفطرات. فيجب عليه الصوم والإفطار كذلك عند حصول أحد خمسة أسباب:
  الأول: (لرؤية الهلال) يعني: هلال رمضان فيجب الصوم، أو هلال شوال فيجب الإفطار، والمراد أنه متى رآه في اليوم الأول صام أو أفطر اليوم الثاني، وهو معنى: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فلا يكلف بصوم أو إفطار اليوم الذي يُرى فيه الهلال؛ إذ يكون تكليفًا بما لم يعلم، وسواء رآه في اليوم الأول قبل زوال الشمس أو بعده فرؤيته لغده، بمعنى: أن اليوم المستقبل من الشهر الجديد، وهو أوله، فيتعلق به الصوم والإفطار، وفي هذ المعنى قال الشاعر:
  ورؤيته قبل الزوال وبعده ... سواء لدينا فهو يلحق أوَّلا
  يعني: اليوم الذي رئي فيه يلحق بالشهر الأول. ولا عبرة عندنا بالقرائن والتجريبات، كما قد روي عن بعض أهل العلم أنه إذا طلع الهلال مع الفجر فاليوم الرابع من الشهر الجديد، وأنه جرّب ذلك أعوامًا كثيرة، فهذه قرائن فقط ولا دلالة عليها شرعاً.
  مَسْألَة: وإذا غاب الهلال قبل الشفق الأحمر فهو لليلةٍ، وإن غاب بعده فهو لليلتين(١)، وقد روي ذلك عن النبي ÷، رواه في الشفاء، فتأمل.
  (و) السبب الثاني: (تواترها) يعني: تواتر الخبر بالرؤية، فمتى تواتر رؤية هلال رمضان وجب الصوم، أو شوال وجب الإفطار. والتواتر: هو نقل عدد عن عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة، ولا بد أن يحصل به العلم، وهذا حدّه، ولا يقدر عدد الناقلين من خمسة ولا أ قل ولا أكثر، فمتى أفاد العلم عمل به.
  (و) السبب الثالث: (مضي الثلاثين) اليوم منذ أول الشهر الذي قد علم أوله برؤية الهلال أو نحوها، فإذا قد علم أول شعبان ومضى منه ثلاثون يوماً وجب
(١) والمذهب عليه في هامش شرح الأزهار أنه لليلة، وقالوا: إن صح الخبر حمل على الشفق± الأبيض.