(فصل): [في شروط وجوب الحج]
  يمكنه النكاح في هذا العام إلا بترك الحج، بل يجب عليه ذلك؛ لأن ترك الواجب أهون من فعل المحظور، فيقدم دفع ما يخشى معه الوقوع في المعصية.
  (أو) لتعيين (دين) عليه، وهو يتضيق بأن يكون في يده بغير رضا أربابه، أو برضاهم وهو حالّ وقد طالبوه أو عرف أنه لا يرضى بالتأخير وإن لم يطالب لحياء أو نحوه، أو مؤجلاً لا يلزم فيه التأجيل وقد طالب من هو له أو عرف أنه مطالب أو عرف أن صاحبه لا يرضى بالتأخير لخوف أو حياء أو نحوهما؛ لأنه في حكم المطالَب. وأما إذا كان مؤجلاً تأجيلاً لازماً فصاحبه كاللازم بعقد فإن كان الأجل موسعاً لا يخشى حلوله قبل العود وجب الحج، ولا يكون الدين عذراً، وإن خشي حلول الأجل قبل العود من الحج وعرف أنه مطالب أوْ لا يرضى بالتأخير جاز التأخير عن الحج؛ لتضيق ذلك الدين. وكذا المظلمة سواء كانت لمعين أو لغير معين؛ لأنه مطالب بها من جهة الله تعالى في كل وقت، فيجوز التأخير للحج لها، هذا بناء على أن ماله لا يتسع لقضاء الدين والحج، وإلا وجبا معاً ولا يرخص في تأخير الحج، وكذا في النكاح، ولا يستثنى له الضيعة ونحوها، بل يجب أن يأخذ عوض ذلك ببيع ويقضي الدين والحج، والله أعلم.
  فهذه الأمور الأربعة إذا (تضيقت) على المكلف (فتقدم) هذا الأربعة عليه، ولا يسقط الحج بعد وجوبه لأجلها، بل يجب الإيصاء به إن حضرته الوفاة، هذا إن في الماضي قد استمرت الاستطاعة في وقت يتسع للذهاب والعود، وإلا يكن قد تقدم ذلك ولم يكن قد وجد إلا هذا المال المحتاج إليه لقضاء الدين أو النكاح أو الجهاد مثلاً: فإن خرج عن ملكه لأحدهما قبل مضي وقت يتسع للذهاب والعود لم يجب الإيصاء؛ لعدم الاستطاعة وإن كان قد وجب عليه الحج - أعني: العزم عليه - بوجوده في وقته، وإن بقي المال في ملكه لم يقض به الدين أو نحوه حتى مضى ذلك الوقت وجب عليه الإيصاء به بعد ولو قضى بما في يده الدين أو نحوه إن كان له مال آخر يحجج به، وإلا ندبت الوصية من ذلك المعدم، والله أعلم.