تيسير الغفار المعروف بـ (مجموع أهل ذمار)،

عبدالله بن علي العنسي (المتوفى: 1301 هـ)

(فصل): في بيان الحلف بالطلاق:

صفحة 426 - الجزء 3

  المحلوف به نفياً لم يكن العزم على الفعل أو الترك برّاً ولا حنثاً، والله أعلم.

  وقد تضمن كلام الإمام ¦ في قوله: «متمكناً إلخ» أطرافاً أربعة:

  الأول: أن يأتي آخر الوقت وهو متمكن منهما - أعني: من البر والحنث - ومثاله ما مر، بأن يأتي آخر الوقت الذي يتسع للفعل والماءُ المحلوفُ بشربه باقٍ أو الدار أيضاً ولا مانع له من الشرب أو الدخول، فإن فعل بر، وإلا حنث بتركه مع تمكنه منهما. وباقي الصور لا يحنث فيها بالترك، وهن لو لم يتمكن منهما في الوقت المتسع للفعل ولم يكن قد عزم على الترك قبل التعذر فإنه لا يحنث؛ لعدم تمكنه من البر بالشرب أو الدخول، ولا الحنث؛ لتعذر الفعل من جهة غيره، أو تمكن من الحنث فقط في هذه الصورة فهو متمكن على العزم وعلى الترك، وهو حنث فيما لو كان الفعل ممكناً، لا كما مثلنا في تعذره فلا يحنث بالعزم على الترك؛ لعدم التمكن من الفعل وإن تمكن من الحنث بذلك. أو تمكن من البر فقط، وهذه الصورة الرابعة، ومثالها لا يوجد؛ إذ لو قلنا لو كان المحلوف منه فعل الدخول أو الشرب - وتعذر أو لا، فإنه لا يقال: هو متمكن من البر بالعزم على الفعل؛ إذ لا يكون العزم برّاً في النفي والإثبات جميعاً، فتأمل.

  وقد استدل على أن العزم على الحنث حنث فيما هو ترك بما لو كان المحلوف به إثباتاً كـ: ليدخلن الدار وإلا فامرأته طالق ثم أُدخل مكرهاً فقد قرر للمذهب بعد كلام طويل أنه لا حكم للنية إلا مع إمكان الفعل حيث كان لا يبر في يمينه إلا بالدخول.

  مَسْألَة: من حلف بالطلاق لا فعل كذا كمَّا قدر على نفسه، فمهما بقي داعي نفسه إلى ترك ذلك أكثر فيمينه باقية، ومتى صار داعي نفسه إلى فعل ذلك أكثر انحلت يمينه، فإن استويا فلعله يحنث. وظاهر هذا أنه مهما بقي له قدرة على دفع نفسه فيمينه باقية، ومهما لم يقدر على ذلك لإكراه أو نحوه انحلت يمينه، فتأمل.

  مَسْألَة: إذا قال: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني، أو يقول: إن خرجت بغير إذني - فإنه يعتبر إذنه لها في كل خرجة، والحيلة في حصول الإذن أن يقول: كلما أردت الخروج فقد أذنت لك. وسواء كان عادته منعها من الخروج أو عدم منعها فإنه يعتبر إذنه لها في كل خرجة، إلا أن يأتي بالحيلة، ويتأمل.