تيسير الغفار المعروف بـ (مجموع أهل ذمار)،

عبدالله بن علي العنسي (المتوفى: 1301 هـ)

(باب النفقات)

صفحة 690 - الجزء 3

  يبع) ذلك الوالد المعسر (عنه) يعني: عن ابنه الصغير أو الغائب (عرضاً) من مال ذلك الابن (إلا بإذن الحاكم) أو من صلح إن لم يوجد حاكم، وإنما احتاج الأب هنا إلى الإذن في البيع من الحاكم وإن كان له ولاية على بيع مال ابنه الصغير لأن البيع هنا لأمر يخص الأب، وذلك للاستنفاق بالثمن، فكما أن الحاكم لا يحكم لنفسه في أمر يخصه كذلك الأب في البيع لنفسه، فافهم.

  وفي هذا اشترك سائر القرابة والأب في الإنفاق من مال القريب بإذن الحاكم إذا غاب أو كان صغيراً، وإنما خالفهم الأب في الدراهم ونحوها، والله أعلم.

  فإن باع الأب لحاجة الصغير في النفقة أو غيرها دخل الأب في ذلك تبعاً، فيستنفق من ذلك، وأصل أخذ الأب من مال ابنه لما⁣(⁣١) يحتاج إليه ما روي أن رجلاً شكى إلى رسول الله ÷ أن أباه يأخذ من ماله، فدعا الأبَ النبيُّ ÷، فإذا شيخ كبير يتوكأ على عصاة، فسأله النبي ÷ فقال: إنه كان ضعيفاً وأنا قوي، وفقيراً وأنا غني، فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني ويبخل عليّ بماله، فبكى رسول الله ÷ فقال: «ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى» فهبط جبريل # فقال: «يا رسول الله، سل الأب عن شعر قاله»، فسأله ÷ فقال: لقد قلت شعراً ما سمعته أذناي، بل قلته في نفسي، وأنشأ يقول:

  غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً ... تُعل بما أجني عليك وتنهل

  إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت ... لسقمك إلا ساهراً أتململ

  كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طُرقت به دوني فعيناي تهمل

  فلما بلغت السن والغاية التي ... إليها مدى ما كنت فيك⁣(⁣٢) أؤمل

  جعلت جزائي غلظة وفظاظة ... كأنك أنت المنعم المتفضل

  فليتك إذ لم ترع حق أبوتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل


(١) في (ج): «ما».

(٢) في (أ، ب): «منك».