(فصل): في قبض المبيع وأحكام القبض:
  بعبارته الكافية، فجزاه الله عن المسلمين خيراً، مع ما في ذلك من وجه البلاغة الاستخدام؛ إذ قوله: «بتقدير» يحتمل التقدير باللفظ والفعل وأريد أحدهما، وهو التقدير باللفظ، والضمير في «وقع» أريد به المعنى الآخر، وهو التقدير بالفعل، وهذا هو ماهية الاستخدام، ألا ترى إلى قوله:
  إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا
  وهذا بيت الاستشهاد في هذا الوجه في كتب هذا الفن، فلفظ «السماء» يحتمل المطر ويحتمل مسببه، وهو النبت، وأريد به المطر، والضمير في «رعيناه» أريد به المعنى الآخر، وهو النبت مثل قوله:
  فسقى الغضا والساكنيه وإن هم ... شبّوه بين جوانحي وظلوعي
  فالغضا يحتمل الوادي ونبتاً معروفًا، وهو الطلح، وقوله «شبوه» أراد به النبت المذكور، شبه لوعة اشتياقه وحرّ القلب بمن قد أوقد بين جوانحه الغضا، فتأمل، والله أعلم. وكيف لا يكون هذا المختصر موضعاً للبلاغة وهو من منبعها وأساسها.
  مَسْألَة: (ويستحق) المشتري (القبض) للمبيع من يد البائع أو من يد غيره بأحد أمرين: إما (بإذن البائع) له بالقبض في غير المشترك، لا فيه فإذنه كلا، إلا بإذن الشريك أو حضوره أو إذن الحاكم كما مر. ومتى أذن البائع في غير المشترك للمشتري بالقبض استحقه (مطلقاً) سواء كان العقد صحيحاً أم فاسداً، وسواء كان قد سلم الثمن أم لا، ولا يصح من البائع الرجوع عن الإذن إذا(١) قد أذن؛ لأنه إسقاط حق لا يصح الرجوع بعد سقوطه.
  الثاني قوله: (أو توفير) المشتري (الثمن) جميعه ولو تبرعاً من الغير به، أو أبرئ منه، أو نحو ذلك من المسقطات له عنه، أو تأجيله. وإنما يستحق القبض بعد توفير الثمن (في) العقد (الصحيح) لا في الفاسد فلا بد فيه من إذن البائع له بالقبض، فلا يكفي توفير الثمن من دون إذن.
  (و) إذا استحق المشتري قبض المبيع بأحد هذين الأمرين أخذه حيثما وجده، وسواء كان في يد البائع أو يد غيره، فـ (لا يمنع منه) يعني: من تسليمه للمشتري من
(١) في (ج): «إن».