(باب الصلح)
  نعم، فإذا كان المدعي عالماً ببطلان دعواه لم يحل له ما يدفع له من مال المدعى عليه صلحاً، سواء كان من جنس ما ادعى أم من غيره، وإن كان المدعي يعلم صحة دعواه فحيث يصالح ببعض ذلك كدار وهو(١) يحل له البعض؛ إذ هو بعض ماله، ولا يحل للمدعى عليه البعض الباقي؛ لأن المدعي إنما ترك له البعض تفادياً فقط لا بطيبة من نفسه، وإن صالح من يعلم صدق دعواه بالدار مثلاً وكان المصالح به دراهم فإنها تكون في يد المدعي تلك الدراهم كالغصب إلا في الأربعة، والمدعى عليه لا تحل له الدار ولا يملكها ولو جاء بلفظ البيع أو النذر أو الهبة أو أي ألفاظ التمليك فإنه لا يحل.
  فَرْعٌ: والقول لمنكر الصلح؛ لأن الأصل عدمه، ولمدعي كونه عن إنكار لا عن العين؛ إذ الأصل عدم استحقاقها.
  فائدة في صلح ولي الصغير والمجنون ووقف المسجد والطريق ونحوهما أن نقول: إن صالح ولي الصغير ونحوه فيما [يدعى] على الصغير فإن لم يكن ثمة بينة للمدعي(٢) لم يصح الصلح، وإن كان له بينة صح الصلح، لكن بعد الحكم بالبينة، وإلا فلا يجوز؛ لجواز الحرج. وإن ادعى شيئاً للصغير ونحوه فإن كان ثمة بينة معمول بها لا يخشى جرحها لم يصح الصلح، إلا أن يخشى جرحها وعرف ذلك جاز له الصلح بالبعض، وإن لم يكن له بينة وغلب على ظنه أن المدعى عليه يحلف إذا طلبت منه اليمين الأصلية أو ألزمه بها الحاكم(٣) جازت المصالحة بالبعض، وحيث تجوز المصالحة لا يطيب للمدعى عليه بقية المال الذي عنده للصبي ونحوه، والله أعلم.
(١) كذا في المخطوطات. ولفظ شرح الأزهار (٨/ ٧٠٧): كأن يدعي داراً فيصالح بنصفها فإن هذا الذي قبض يطيب له بلا شك؛ لأنه عين ماله.
(٢) في المخطوطات: للصغير. ولعل ما أثبتناه الصواب.
(٣) قوله: أو ألزمه بها الحاكم» غير مذهب في هامش شرح الأزهار (٨/ ٧٠٧).