تيسير الغفار المعروف بـ (مجموع أهل ذمار)،

عبدالله بن علي العنسي (المتوفى: 1301 هـ)

(فصل): في المندوب من الوصايا وما يلحق الميت بعد موته

صفحة 537 - الجزء 6

  وقفاً عليهم لئلا يتضرروا بالوصية ويتكففوا⁣(⁣١) الناس. والأصل في ذلك ما روي عنه ÷ أنه قال: «إن الله أعطاكم ثلث أموالكم في آخر آجالكم زيادة في حسناتكم»، ويدل هذا على أن المسلم إذا أوصى لذمي بمصحف أو كتاب في ذكر رسول الله ÷ فإنها لا تصح الوصية؛ لأنه ليس من الحسنات، ويدل أيضاً على أن الوصية للحربي لا تصح؛ لذلك كما مر. وروي عن عامر بن سعد عن أبيه سعد⁣(⁣٢) بن مالك قال: مرضت فأتاني رسول الله ÷ يعودني، فقلت: يا رسول الله، إن لي مالاً كثيراً، وليس يرثني إلا ابنتي فأوصي بمالي كله؟ وفي بعض الأخبار: فأوصي بثلثي مالي؟ فقال: «لا» فقلت: فالنصف؟ فقال: «لا» فقلت: فالثلث؟ فقال: «الثلث، والثلث كثير، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير مما تتركهم عالة يتكففون الناس»، فدل على أن المنع عنها في أكثر من الثلث هو حق للوارث، فاقتضى هذا أنهم إن أجازوا جاز؛ لأنه حق لهم.

  واعلم أن الوصية تصح بالثلث (ولو) كانت (لوارث) للميت الموصي فهي أيضاً مندوبة، وسواء أجاز سائر الورثة أم لا، وسواء أدخل الوارث مع القرابة أو خصه وحده بالوصية، وسواء أوصى له بشيء أو أبرأه مما عليه أو وهب له في حال المرض أو نحو ذلك، وقول نبينا ÷: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث» فهو يتجه بعد صحته إلى رفع الوجوب المذكور في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ}⁣[البقرة ١٨٠]، فبهذه الآية كان الإيصاء واجباً ونسخ بآيات المواريث؛ ولذا قال ÷: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه».


(١) في (ب): ويتكفون.

(٢) في المخطوطات: عامر بن سعيد عن أبيه سعيد. والمثبت هو الصواب.