(فصل): في تمييز دار الإسلام عن دار الكفر، وبيان وجوب الهجرة عن دار الكفر
  فلا إشكال، قال تعالى: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ}[النساء ١٤٠]، ولقوله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ٩٧}[النساء]، (و) تجب الهجرة أيضاً (عن دار الفسق) ودار الفسق: هي ما ظهرت فيها المعاصي - سواء كانت موجبة للفسق كالزنى وشرب الخمر ونحوهما أو لا كالدف والمزمار ونحوهما وكان ذلك الفعل - من المسلمين من دون أن يتمكن المسلم من إنكارها بالفعل، ولا عبرة بإمكان التكلم من دون إزالة لذلك؛ إذ القصد بنهي المنكر إزالته، فحيث لا يتمكن المسلم تجب عليه الهجرة عن تلك الدار.
  وإثبات دار الفسق بالقياس على دار الكفر عندنا، والجامع أنها دار تظهر فيها الكبائر ومخالفة الشرع فيجب أن حكمها كذلك كدار الكفر فتلزم الهجرة عنها. والمراد بالمهاجرة عن دار الفسق أنه يجب عليه الخروج إلى مكان لو حاول العاصي أن يعصي في تلك الدار منع، ولو كان الخروج إلى فوق البريد.
  والعلة في وجوب الهجرة عن دار الفسق لتزول عنه تهمة الرضا بالفسق؛ لأن من رضي بالفسق [فسق](١) كمن رضي بالكفر [كفر]، ولئلا يلتبس بالفسقة فوجبت مطلقاً وإن أظهر هجرهم وتجنب مجالستهم ومؤاكلتهم بحيث تزول عنه التهمة بالرضا بالفسق فلا يسقط عنه ذلك وجوب الهجرة. وهل يفسق بعدم المهاجرة من دار الفسق مع أن المسألة ظنية، والتفسيق في المسائل الظنية مما لا يليق القول به؟ فليتأمل ويبحث عنه، والله أعلم. ويتأكد وجوب الهجرة على من لم يمكنه الوقوف إلا بتعظيم أهل العصيان ومواصلتهم أو بفعل قبيح أيضاً معهم، وهي بذلك آكد، جاء عن النبي ÷: «من مشى إلى ظالم وهو يعلم ظلمه فقد برئ من الله» وحمل ذلك على المشي لتعظيمه، والله أعلم.
(١) ما بين المعقوفين من البستان كما في هامش شرح الأزهار (٩/ ٥٨٨)، ولفظه: لأن من رضي بالفسق فسق ومن رضي بالكفر كفر.