(فصل): في تمييز دار الإسلام عن دار الكفر، وبيان وجوب الهجرة عن دار الكفر
  أعظم من رؤية المعصية الواحدة؛ فلذا قلنا: ظهور معصية واحدة في بلد أهون من معصيتين(١). وهو يجب على المكلف أن يهاجر عن محل العصيان (بنفسه وأهله) جميعاً، وهم زوجته وأولاده الصغار ومماليكه، ولا يكفيه أن ينتقل وحده ويبقى أهله في تلك الدار التي وجب عليه الهجرة عنها؛ وذلك لأن القصد بالهجرة هجران أهل الباطل، والاحتراز من أن يحكم عليهم بحكم أهل الدار من لم يعرف حالهم في الإيمان، فالواجب تحصينه وتحصين أهله وأولاده والواقفين(٢) على أمره ونهيه. ومما يؤكد هذا قول النبي ÷: «أشد الناس عذاباً يوم القيامة من أجهل أهله وولده» قيل: يا رسول الله، وكيف يجهل أهله وولده؟ فقال ÷: «لا يعلمهم أمر دينهم، ولا يأمرهم بالمعروف، ولا ينهاهم عن المنكر، ولا يزهدهم في الدنيا، ولا يرغبهم في الآخرة، فيقولون له غداً في الموقف: لا جزاك الله عنا خيراً، كنت لا تعلمنا، ولا تنهانا عن المنكر، ولا تأمرنا بالمعروف، فأهلكتنا، فيساقون بأجمعهم إلى النار» ثم تلى رسول الله ÷: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ..} الآية [التحريم ٦].
  تنبيه: قال في الغيث ما معناه: فلو كان المهاجر ذا مال في دار الكفر أو البغي، وله ذرية ضعفاء يخشى ضياعهم إذا هاجر بهم، وليس عند الإمام ما يسد خلتهم، ويخشى أن يتكفف الناس لعياله - فالأقرب أن ذلك لا يسقط وجوب الهجرة؛ لأن نظر الإمام واجتهاده أولى، فتلزم الهجرة، وقد ذكر المنصور بالله أن الإمام إذا احتاج في الجهاد إلى رجل وطالبه بالوصول إليه، وله عائلة يخشى ضياعهم، لا حيلة لهم في أنفسهم ولا منعة(٣) عندهم [قال:] إنه يجب [عليه]
(١) في (ب، ج): من رؤية معصيتين، والصواب: من ظهور معصيتين.
(٢) في المخطوطات وهامش شرح الأزهار طبعة غمضان: الواقفين. والمثبت من الغيث وهامش شرح الأزهار طبعة مكتبة أهل البيت (٩/ ٥٩٠).
(٣) في المخطوطات: نفقة. والمثبت من هامش شرح الأزهار (٩/ ٥٩٠).