(فصل): فيما يفعله الناهي عن المنكر في ملك الغير
  أصلحنا(١) الله، أو نعوذ بالله من ذلك، أو الحمد لله [الذي سلمنا ذلك]، أو إنا لله وإنا إليه راجعون. فأما إساءة الظن بالغير [بالقلب] فليست بغيبة وإن كانت لا تجوز. فإذا أفهم في ذلك الغائب غيره (بما فيه لنقصه بما لا ينقص دينه) فهي الغيبة المحرمة شرعاً. فيخرج بقيد «الغائب» من كان ذاكراً للحاضر بما يؤديه فإنها ليست بغيبة، بل تسمى أذى، وهو محرم ويجب إنكاره وإن لم يكن غيبة، وبقوله: «بما فيه» ليخرج ما لو ذكره بما ليس فيه فهو يسمى بهتاً بفتح الموحدة وضمها(٢)، وهو أشد من الغيبة؛ إذ جمع بينها وبين الكذب. وقوله: «ينقصه» يحترز مما لو ذكره بما ذكره لتعريفه(٣) بذلك [نحو أن يقول: ذلك] الأعور أو نحوه غير قاصد لاغتيابه، بل تعريفه بذلك فإنه لا يأثم بذلك؛ إذ ليست بغيبة إذا لم يمكن تعريفه بغير ذلك، فإن أمكن بغير ذلك حرم. وبقوله: «بما لا ينقص دينه» يحترز مما لو كان ينقص دينه فإنها لا تكون غيبة، وتلك المعصية إما أن تكون فسقاً [أو لا]؛ إن كانت فسقاً جاز ذكره بها وبغيرها مطلقاً: سواء كان مجاهراً بها أو مستتراً؛ لعدم احترامه معها، عن النبي ÷: «لا غيبة لفاسق، اذكروا الفاسق بما فيه كيما يحذره الناس» قال في شرح الخمس المائة ما لفظه: وقد ذهب كثير من العلماء - وهو المختار للمذهب - إلى جواز غيبته مطلقاً، وهو مفهوم من الآية الكريمة، قلت: لعله من كون الخطاب في قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} للمؤمنين، فيفهم منه جواز غيبة الفاسق. قال: ويدل على ذلك قوله(٤) تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ١٣}[القلم] في الوليد بن المغيرة، وسيأتي، وعن الحسن - لعله البصري - أنه ذكر الحجاج فقال: أخرج إلي بناناً قصيرة قل ما عرقت فيها الأعنة في سبيل الله تعالى ثم جعل يطبطب شعيرات ويقول: يا أبا سعيد يا أبا
(١) في المخطوطات: أصلحه. والمثبت من البيان (٦/ ٥٩٤)، هامش شرح الأزهار (٩/ ٦٢٣).
(٢) في المخطوطات: بفتح الموحدة وكسرها. والمثبت هو الصواب.
(٣) كذا في المخطوطات.
(٤) في المخطوطات: قال: ولقوله تعالى. والمثبت من شرح الخمس المائة (٢/ ٥٢٨).