(فصل): في معاملة الظلمة
  الصفة فسقاً كما أن محبة الكافر على كفره تكون كفراً.
  (و) اعلم أنه يجوز أيضاً (تعظيمه) يعني: الفاسق لمصلحة كما يأتي قريباً، وذلك كما عظم النبي ÷ عدي بن حاتم الطائي قبل إسلامه وكان نصرانياً وفرش [له] مخدته - وهي من جلد محشوة من سلب - وقال فيه: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه»، فعل ذلك تأليفاً له وطمعاً في إسلامه (و) يجوز أيضاً (السرور بمسرته) يعني: ذلك الكافر أو الفاسق في قصة مخصوصة لا على الإطلاق، وقد حكى الله تعالى عن المؤمنين أنهم يفرحون بانتصار الروم على فارس؛ لأن الروم(١) كانوا أهل كتاب [أي:] نصارى، وفارساً ليس لهم كتاب، بل مجوس، فأخبر الله تعالى أنهم يفرحون بانتصار من هو مثلهم أهل كتاب بقوله: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ٤ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ}[الروم]، ولعل وجه فرح المؤمنين هو رجو النصر لهم بعد كما انتصر أهل الروم بعد غلبتهم وأن العاقبة للمتقين، لا على غلبة الروم لفارس، ويحتمل ذلك، والله أعلم.
  (والعكس) أيضاً يجوز، وذلك الغم بغمه، كما اغتم المسلمون بغم الروم للغلبة عليهم من دون نكير من النبي ÷، فيجوز الفرح بانتصار ظالم على آخر مثله لخذلان ذلك الظالم من دون رضا بظلم الآخر ويجوز الاغتمام بغم المنصور عليه لما حصل من تقوية ظلم الآخر.
  واعلم أنها إنما تجوز المحبة وما عطف عليها (في حال) وذلك (لمصلحة دينية) لا دنيوية فلا يجوز، ومتى كانت تلك المصلحة دينية فسواء كانت عامة أو خاصة لذلك المؤمن وحده، فإذا كانت المحبة أو نحوها لترجيه توبة وإقلاعاً عن المعاصي منه، أو يؤمل منه نفع مؤمن ولو لنفسه فقط أو لدفع ظالم عن المؤمنين أو عن مؤمن واحد ولو نفسه أو نحو ذلك [جازت]، وأما محبته لا لمصلحة رأساً بل للمؤانسة له والمودة له فإن ذلك لا يجوز كما لا يجوز لو كانت مصلحة دنيوية.
(١) في المخطوطات: لأن أهل الروم.