(باب النجاسات)
  فيصير مجاورًا ثانيًا، ثم كذلك مثليه فيصير مجاوراً ثالثاً، وعلى هذا ما تدارج.
  وقد جعل الضعف هنا مِثْلَي الشيء، وأما في الوصايا فليس إلا مثلًا فقط كما سيأتي ذلك.
  وقد توهم أن من المكاثرة صورة تقليل النجاسة، وهو لو وقعت نجاسة في ماء قليل، ثم وقعت قطرة من هذا الإناء إلى إناء آخر، ثم وقعت من هذا الإناء الثاني قطرة إلى ثالث فإنها لا تنجسه؛ لأن الأول - أعني: الإناء - مجاور أول، والماء الذي في الثاني مجاور ثان، والذي في الثالث قد صار مجاورًا ثالثًا للنجاسة، فيطهر، وليس كذلك.
  نعم، والمقرر للمذهب في هذه - مسألة(١) المكاثرة - إن صار الماء بها كثيراً - وهو الذي لا يظن استعمال النجاسة باستعماله - طهر ولو لم يكن إلا لورود مثله عليه أو لضعفه أو أقل أو أكثر، وإن لم يصر بذلك كثيراً بل هو باقٍ في حيز القلة بحيث يظن استعمال النجاسة باستعماله [فإن الحكم باق](٢) بتنجيسه ولو قد أورد أو أورد عليه عشرة أمثاله وإن زال التغير، والله أعلم.
  مَسْألَة: (و) لا تنجس المياه (بجريها) وأقل الجري ما يسحب التبنة، ووزن التبنة قيراط(٣) فلا ينجس ولو كان جريه (حال المجاورة) للنجاسة، بأن يمضي من فوقها أو تحتها؛ لأن الجري يمنع الاختلاط بالنجاسة؛ فنزل الجري منزلة الكثرة، ولو استقر بعد ذلك في مقره - فإنه طاهر ولا يضر مجاورته للنجاسة. هذا ما لم يتغير، فإن تغير بجريه مجاوراً للنجاسة صار متنجساً بذلك؛ للتغير.
  فعلى هذا إذا سدت الميتة جانبي النهر فكان يخرج الماء من أسفلها بعد أن دخل من أعلاها فإنه لا ينجس بذلك ولو كان قليلاً ما لم يتغير؛ لتنزيل الجري منزلة الكثرة؛ وعلى هذا يتفرع لو صب الماء القليل على أيد متنجسة بعضها فوق بعض فإنه لا
(١) في (ب): «في هذه المسألة».
(٢) في (أ): «فإنه باقي الحكم».
(٣) القيراط: أربع شعائر. (شرح).