(باب) بيان من تصرف فيه الزكاة
  الشكوى، فكما أن العبد المملوك لو سأل غير سيده لكان فيه تشنيع على سيده فهكذا سؤال العباد، وهذا ينبغي أن يحرم ولا يحل إلا لضرورة كأكل الميتة.
  الثاني: أن فيه إذلالًا للمؤمن، ولا ينبغي أن يذل نفسه لغير الله تعالى، بل عليه أن يذل نفسه لمولاه فإن فيه عزة له، فأما سائر الخلق فإنهم عباد أمثاله فلا ينبغي أن يذل نفسه لهم إلا لضرورة، وفي السؤال ذل للسائل بالإضافة إلى المسؤول.
  الثالث: أنه لا يخلو عن أذى المسؤول «غالباً»، فإنه ربما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيبة، فإن بذل حياءً من السائل أو رياء فهو حرام على السائل، وإن منع ربما استحيا أو تأذى في نفسه بالمنع؛ إذ يرى نفسه في صورة البخيل، فمع البذل نقصان ماله، ومع المنع نقصان جاهه، وكلاهما يؤذيان، والسائل هو السبب في هذا الإيذاء(١)، والإيذاء حرام إلا لضرورة، ومهما فهمت هذه المحذورات فهمت ضمناً قوله ÷: «مسألة الناس من الفواحش» وأظن هذا من كلام الغيث، ولله من كلام رايق بالغ فيه من التحذير عن السؤال والنهي عن إراقة ماء الوجه للرجال، فما أحسن قوله:
  ولا تحسبن الموت موت البلاء ... وإنما الموت سؤال الرجال
  كلاهما موت ولكن ذا ... أشد من ذاك لذل السؤال
  ويدخل في تحريمه السؤال بالكتابة والرسالة؛ إذ العلة الإذلال، وهو يحصل بذلك. وهذا فيمن سأل لنفسه، فأما لغيره فيجوز. وقوله |: (غالباً) يحترز بها من صور، منها: أن يسأل الإمام، فإنه يجوز أن يسأله مما هو مصرف له من زكاة أو غيرها؛ إذ لا منة ولا نقص في سؤاله؛ إذ هو نائب عن المسلمين فضلاً عن الفقراء(٢) والمساكين، وقد جاء عنه ÷: «السلطان ظل الله في أرضه، يأوي إليه كل ملهوف ومطرود».
(١) في المخطوط: والشاهد التسبب للإيذاء، والمثبت من تصفية القلوب وهامش شرح الأزهار.
(٢) في (ج): «الضعفاء».