تيسير الغفار المعروف بـ (مجموع أهل ذمار)،

عبدالله بن علي العنسي (المتوفى: 1301 هـ)

(كتاب الوديعة)

صفحة 243 - الجزء 5

(كتاب الوديعة)

  الاشتقاق من الإيداع، وهو الترك عند غير مالك العين لغة، ومنه قيل للقبر: ودع بفتح الدال وسكونها؛ لما كان الميت يترك فيه. والمصالحة موادعة؛ لترك الحرب فيها.

  حقيقتها اصطلاحاً: ترك مال مع حافظ لمجرد الحفظ لا بأجرة. فقولنا: «لمجرد الحفظ» يخرج الرهن. وقولنا: «لا بأجرة» يخرج الإجارة.

  الدليل من الكتاب: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}⁣[النساء ٥٨].

  السنة قولاً: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك».

  وفعلاً ظاهر؛ فإن رسول الله ÷ ترك لما هاجر ما كان مودعاً عنده عند عتيقته⁣(⁣١) أم أيمن زوجة زيد بن حارثة.

  الإجماع: لا إشكال فيه على سبيل الجملة.

  تنبيه: لا بد من الإيجاب والقبول في الوديعة، أو ما جرى به العرف كالتخلية، كمن يضع ثيابه في المسجد ويمتثل الوديع بأن يقول: «ضع ثيابك»، ولا بد أيضاً من النقل فيما ينقل، وثبوت اليد في غير المنقول، وإذا جرى العرف بأن التخلية كافية كفت كما قلنا في ثياب المصلي، وكمن قال لغيره: «أضع كذا في حانوتك؟» فقال: ضع. فبوضعها مع القبول تكون وديعة وإن لم ينقلها الوديع؛ لجري العرف بذلك.

  وضابطه: المعتبر بالعرف في الإيداع، يعني: فيما تصير به العين وديعة عند الوديع.

  واعلم أن الإيداع (إنما يصح) إذا وقع (بين جائزي التصرف) بالغين عاقلين حرين أو صبي مميز مأذون أو عبد كذلك، فلا يصح الإيداع من مجنون أو صبي أو عبد.

  فَرْعٌ: فإن أودع مكلف عند صبي أو مجنون لم يضمن الصبي ما يستباح كاللبس والإحراق والضياع ونحوه وذبح ما يؤكل لحمه على الوجه المشروع؛ لأنه وضع ماله في مضيعة، لا ما لا يستباح كالقتل والجرح للحيوان والذبح لغير المأكول فيضمن ذلك؛ إذ هي جناية ولو عرف الصبيان بها. وكذا لا يصح أيضاً أن يودع الصبي فلو


(١) في المخطوطات: عتيقه.