[فوائد من سورة النحل]
  وإرادة الله تعالى إهلاك أهل قرية هي: علمه تعالى بأنهم قد استحقوا العذاب، وليست إرادته تعالى كما هي في المخلوق، فإنها في المخلوق عَرَضٌ يجده صاحبه في قلبه، والله تعالى لا تحله الأعراض.
  والذي تعنيه الإرادة في حق الله تعالى هو أن أفعاله تعالى تقع على مقتضى الحكمة والمصلحة؛ فإذا علم تعالى أن الحكمة والمصلحة في فعل شيء في وقت فعله في ذلك الوقت.
  · ﷽: قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء: ٣٦].
  وقال سبحانه: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ٢٨}[النجم].
  وقد ذم الله تعالى في القرآن الذين يتبعون الظن، ونقول:
  الذي يظهر أن الظن قسمان: قسم مذموم، وقسم غير مذموم.
  فالظن المذموم هو الذي لا مستند له إلا الوهم والخيال والتقليد، وهذا النوع من الظن هو الذي ذمه الله تعالى في القرآن، ومنه الظن الذي يعارضه العلم.
  والظن الذي ليس بمذموم هو الظن الذي يستند إلى دليل صحيح أو أمارة صحيحة، ولم يعارضه ما هو أقوى منه، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ...}[الحجرات: ١٢]، فدل ذلك على ما ذكرنا من أن الظن ينقسم إلى ظن مذموم وظن غير مذموم.
  · ﷽ قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ٥٨}[الإسراء]، في هذه الآية وعيد عام لكل قرية على وجه الأرض، والمرد بإهلاك القرية إهلاك أهلها؛ لأنهم هم المستحقون للهلاك والعذاب بعصيانهم لله وتمردهم عليه.
  وليس المراد هلاك القرى في وقت واحد، بل إن كل قرية سيكون هلاكها في الوقت الذي يعلم الله تعالى أنها تستحق فيه الهلاك أو العذاب، وذلك يختلف باختلاف القرى.