زبر من الفوائد القرآنية ونوادر من الفرائد والفرائد القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[تسخير الجن لسليمان #]

صفحة 404 - الجزء 1

  وهو ميت، إلا أنهم لم يعرفوا موته إلا حين نخرت العصا فخر سليمان ساقطاً، فلعل السبب في عدم معرفتهم لموته هو ما هم فيه من الهيبة من سليمان #، ثم ما يريده الله تعالى من كشف الحقيقة وإيضاح الحجة إيضاحاً عاماً للجن والإنس، وهي أن الجن لا يعلمون الغيب.

  - وفي الآية دليل على أن للجن قدرة على الأعمال الصناعية كالبناء والنحت و ... إلخ، إلا أن الجن ليسوا في حاجة إلى تلك الأعمال.

  فإن قيل: كيف يتأتى من الجن البناء والإعمار والنحت وسائر الصناعات وهم أجسام لطيفة؟

  فيقال: من المحتمل أن الجن كانوا يعملون تلك الأعمال بواسطة معارفهم بطبائع المخلوقات، فيجمعون مثلاً بين شحنتين لطيفتين من الكهرباء سالبة وموجبة ويضعونهما تحت صخرة لتفجيرها فبذلك يحصل تكسير الأحجار، وتستوي الأحجار بشحنات كهربائية صغيرة، ويرفعون الأحجار ويقربونها بضغط الهواء.

  فإن قيل: لماذا لم يظهر منهم شيء من ذلك؟ فلم نرهم فجروا بيتاً ولا جبلاً ولا رفعوا حجراً، ولا أضروا بأحد مع شدة عداوة الشياطين للمؤمنين والمسلمين؟

  فيقال: إن الله تعالى حجز بقدرته بين الجن وبين أن يضروا عباد الله بشيء من تلك الأضرار كما قال سبحانه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}⁣[الرعد: ١١].

  والذي تستطيعه الشياطين من الضرر بعباد الله هو الوسوسة في الصدور: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ٥ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ٦}⁣[الناس].

  فإن قيل: المشهور أن الجن تضر الإنسان في عقله فيصير مجنوناً، فكيف يحصل ذلك؟

  فيقال: قد ذكرنا أن الشياطين تضر بوسوستها في الصدور، ومن كثرة الوسوسة وشدتها يتولد الجنون، فالوسوسة المتطاولة تتسبب في انهيار القوة العقلية، وبانهيار القوة العقلية يحصل الجنون.