[فوائد من سورة النساء]
  الكبائر فقد يغفرها الله تعالى بغير توبة لمن يشاء وهم من ذكرنا، وقد يغفرها بالتوبة.
  ودليل ما ذكرنا: الإجماع على الحكم بالنار لكل مشرك مطلقاً، سواء أكان الشرك عن طريق العمد، أم عن طريق الخطأ والنسيان، والجهل والتأويل.
  ويدل على ذلك أيضاً هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} فإن فيها دليلاً على أن الله تعالى لا يغفر الشرك، ولا يتجاوز عنه على أي صفة تلبس به المكلف من خطأ أو نسيان أو جهل أو تأويل، اللهم إلا {مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ..} الآية [النحل: ١٠٦].
  هذا، وأما الكبائر الأخرى غير الشرك فالدليل على أن الله تعالى يغفرها بغير توبة لمن ارتكبها على طريق الخطأ والنسيان أو الجهل والتأويل قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب: ٥].
  ويمكن الاستدلال على ذلك أيضاً بالإجماع والاتفاق بين المسلمين، وذلك من أقوالهم فيما جرى من الصحابة، وما شجر بينهم.
  ونزيد ذلك وضوحاً فنقول: قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} إن في: {لِمَنْ يَشَاءُ} إجمالاً، قد تولى الله سبحانه وتعالى بيانه وتوضيحه في كتابه وعلى لسان رسوله ÷؛ فمن ذلك قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب: ٥].
  {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: ٢٨٦].
  وفي الحديث: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه».
  وقوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ٨٢}[طه]، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}[النساء: ٩٣]، وغير ذلك كثير في القرآن والسنة.
  ويزيد ما قلنا وضوحاً أيضاً أن الله تعالى يقول: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ...} الآية [الأعراف: ١٥٦]، {سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ