الدرع الحصينة في تخريج أحاديث السفينة،

الإمام أحمد بن هاشم (المتوفى: 1269 هـ)

فصل: آداب الدعاء

صفحة 119 - الجزء 1

  قال في الكلم الطيب بعد ذكر هذا الحديث: فلو لم يكن للذاكر إلا هذه الخصلة لكان حقيقا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله، ولا يزال لهجًا بذكر الله تعالى؛ ليُحِرزَ نفسه من عدوه به، والغفلة مرصدة للعدو يأتي من قبلها، فإذا غفل وثب عليه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله، ولذا سمي الخناس أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ونستعين الله تعالى عليه، وقد ذكر مثل ذلك ابن عباس من أنه إذا ذَكَرَ اللهَ تعالى العبدُ خنس، والله أعلم⁣(⁣١).

  قلت: وقد دَخَلَت مجالس العلم ونحوها في مجالس الذكر دخولًا أَوَّليًا.

  وأما قوله ÷ «حسب ابن آدم من الدعاء أن يقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ ...» إلخ، فليس تزهيدا في الدعاء وتقليلا منه، وقد ورد ما ذكرناه أولا وغيره كثيرا واسعا؛ وإنما القصد ألَّا يكون الدعاء عمل العبد ومتَّكلا عليه؛ بحيث يفرِّط من سائر المفروضات، أو أنه من دون توبة يدخل الجنة كما قيل في حديث الشهادة: «مَنْ كَانَ آخِرُ قوله: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»⁣(⁣٢) وفي بعضها: «حُرِّمَ عَلَى النَّارِ»، وورد في بعضها: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ»⁣(⁣٣) مفردا ومكررا من حديث أبي الدرداء وأبي ذر وغيرهما كما ذلك معروف، وأحاديث هذا المعنى كثيرة؛ فأهل الزيغ يعملون بظاهره، وأنه منجاة، وأهل الحق يحملونه على التوبة تقييدا لمطلقها بتقيدات الكتاب والسنة؛ ففي بعضها "مخلصًا بها قلبه"⁣(⁣٤)، والإخلاص هو معنى التوبة والندم.


= بنحوه، قال الترمذي «هذا حديث حسن صحيح غريب» وقال الحاكم "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه " واقتصر المؤلف على أوله وآخره ولم يذكره بكامله.

(١) ينظر: ابن القيم الجوزية، محمد بن أبي بكر بن أيوب شمس الدين (المتوفى: ٧٥١ هـ): الوابل الصيب من الكلم الطيب، تحقيق: سيد إبراهيم - دار الحديث - القاهرة، ط ٣ (١٩٩٩ م): (١/ ٣٦).

(٢) أخرجه أبو داود في سننه: (٥/ ٣٤ رقم ٣١١٦)، والبزار في مسنده (٧/ ٧٧ رقم ٢٦٢٦)، والشاشي في مسنده (٣/ ٢٧٠ رقم ١٣٧٢)، والطبراني في الدعاء: (١/ ٤٣٣ رقم ١٤٧١) وفي معجمه الكبير: (٢٠/ ١١٢ رقم ٢٢١)، وابن مندة، في الإيمان: (١/ ٢٤٨)، والحاكم في مستدركه: (١/ ٦٧٨ رقم ١٨٤٢) وقال "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"، والبيهقي في الأسماء والصفات: (١/ ٢٤٣ رقم ١٧٦) وفي شعب الإيمان: (١/ ١٩٨ رقم ٩٣).

(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده: (١/ ٤٩ رقم ٣٧)، والبخاري في صحيحه: (١/ ٣٩٦ رقم ١١٣٠) و (٥/ ٢١٩٣ رقم ٥٤٨٩) و (١/ ٣٩٦ رقم ١١٣٠) و (١/ ٤١٧ رقم ١١٨٠)، والنسائي في سننه الكبرى: (٦/ ٤٧٨ رقم ١١٥٦٠) وفي عمل اليوم والليلة: (١/ ٦٠٢ رقم ١١٢٦)، والطبراني في الدعاء: (١/ ٥٠٥ رقم ١٧٨٦).

(٤) أخرجه البخاري في صحيحه: (١/ ٤٩ رقم ٩٩) والنسائي في سننه الكبرى: (٣/ ٤٢٦ رقم ٥٨٤٢).